وإن قلنا لا تصير مجازا فلأن المجاز ما استعمل فى غير ما وضع له والعموم والخصوص قد استعمل فى بعض ما وضع له فلهذا لا يوصف بالمجاز عند أكثر الفقهاء واعلم أن الخلاف فى هذه المسألة مع المتكلمين فينبغى إذا تكلمنا معهم أن نقول أنه يصير مجازا وقد قال الأصحاب على قولهم أن أكثر ألفاظ العموم تستعمل فى البعض قال يجوز أن يكون اللفظ حقيقة فى معنى ثم يستعمل فى غيره أكثر.
ألا ترى أن الغائط حقيقة فى الموضع المطمئن ثم أكثر ما يستعمل فى الخارج من الإنسان وكذلك الشجاع عن حقيقة فى الحية ثم أكثر ما يستعمل فى الرجل البطل وكذلك العذرة والمفازة إلى ما يشبه ذلك.
وأما تعلقهم بفصل الاستثناء فقد أجبنا عنه.
وأما قولهم أنه يحسن الاستفهام والتأكيد.
قلنا الاستفهام قد يكون طلبا لمطلق الفهم وإزالة الالتباس وقد يكون طلبا لزيادة الفهم وزيادة الفهم فهم وهذا لأن السامع قد يظن أن المتكلم غير متحفظ فى كلامه ويظن به السهو فيستفهمه ويستبينه بمعنى أن كان ساهيا أزال سهوه.
ألا ترى أنه يحسن أن يقول الرجل ضربت فلانا فنقول أضربت فلانا أو يقول: ضربت كل من فى الدار فنقول أضربتهم كلهم فيقول: نعم ضربتهم كلهم فنجيبه باللفظ الأول فدل أن المراد من الاستفهام هو الاستثبات لظن الغلط.
وأما التأكيد الذى تعلقوا به فيبطل تأكيد الخصوص مثل قول القائل جاءنى زيد نفسه وكذلك تأكيد ألفاظ الفرد وذلك مثل قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} البقرة: 196 وكذلك قولهم ألف تام فقولهم ألف قد أنبأ عن التام.
فإن طلبوا فائدة التأكيد.
قلنا فائدته زيادة العلم وهذا لأن بالتأكيد يزداد الأمر جلاء وبيانا فيزداد علمنا وقد يكون فى ذلك مصلحة لنا وأن لم نقف عليها.
ألا ترى أن الله تعالى قد أكثر الأدلة على المدلول الواحد وأن كان المقصود قد حصل بالدليل الواحد وأيضا يجوز أن يكون التأكيد لإزالة مجاز أو احتمال مستعمل وعلى الجملة إذا جاز وجود فائدة للتأكيد لا يوجد فى المؤكد بطل تعلقهم بهذا الفصل.
وأما دليلهم الذى ذكروه فى كلمة من قولهم أنه يجمع بمنون.