وأما موسى عليه السلام فإن الله عز وجل أخبر أنه أتاه تسع آيات بينات: العصا، واليد، والدم، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والطمس والبحر.
فأما العصا فكانت حجته على الملحدين والسحرة جميعا، وكان السحر في ذلك الوقت منتشرا، فلما انقلبت عصاه حية تسعى وتلقفت حبال السحرة وعصيهم، علموا أن حركتها عن خبرة حادثة فيها بالحقيقة، وليست من حد بين ما يتخل بالحبل، فجمع ذلك الدلالة على الصانع وعلى ثبوته جميعا.
وأما سائر الآيات التي لم يحتج إليها مع السحرة، فكانت دلالات على فرعون وقومه والقائلين بالدهر، فأظهر الله بها صحة ما اخبرهم به موسى: من أن له ولهم رباً وخالقاً إذ كانت كلها متجاوزة جداً لقوة البشرية، وثبت بإمداد الله تعالى إياه بها حاجته إلى تصحيح دعواه أنه نبي الله ورسوله كما يقول وبالله التوفيق.
فأما يوشع ففي الاخبار أن الشمس حبست له لما دعا الله عز وجل وسأله جل ثناؤه أن يحبسها له عند قتاله أهل أريحا وإشرافه على فتحها عشية يوم الجمعة، وإِشفاقه من أن تغرب الشمس قبل الفتح فيحرم عليهم لأجل السبت القتال، ويعلم به عدوهم فيعمل السيف فيهم ويجتاحهم فكان ذلك آيته التي خص بها بعد أن كانت نبوته ثابتة بخبر موسى عليه السلام على ما يقال والله أعلم.
وأما داوود صلوات الله عليه، فإن الله عز وجل ألان له الحديد وسخر له الجبال والطير فكانت تسبح معه بالعشي والإِراق، وكان على ما يقال يقرأ الزبور بأصوات مختلفة: منها صوت يطرب ومنها المهم، وتعكف الوحش والطير عليه إعجاباً به واستتابته إليه.
وأما المسيح صلوات الله عليه فإن الله عز وجل خلقة لا من أب، ولكن ذلك إنما علم بخبر الصادق عن الله تعالى، ولم تكن آيته ومعجزاته، وإنما آيته أن الله عز وجل أقدره على الكلام في المهد فكان يتكلم فيه كلام الحكماء وأنه كان يحيي الموتى، ويبرأ بدعائه، أو بيده إذا مسح الأكمه والأبرص، وجعل من الطين كهيأة الطير، فينفخ فيه فيكون طائرا بإذن الله.
ثم إن رفعه بين اليهود لما أرادوا قتله وصلبه، فعصمه بذلك من أن يخلص القتل