وعلى ذلك فقد اشتمل من بيان أحكام الحوادث على ما أفاد بعضها الكفاية ببعضه، وفي بعضها ما يضمنه من المعنى الذي يتوصل به إلى معرفة فيما قصر اللفظ عنه، فلا تخلو حادثة تحدث إلى قيام الساعة عن أن يمكن استدراك حكمها من قبله، ومن وجه فيكون مرجعه إليه ومصدره عنه.
ومن علم النظر والاستدلال على ما لا متجاوز عنه ولا زيادة عليه، ولا تكاد العقول تبصر طريقا سواه، والنظار وإن أمنعوا وبالغوا وجاوزوا وصنفوا وقدموا وأخروا، فإن أصل احتجاجهم إليه يرجع، وعليه يقف: ومن علم العبادات على ما أتى بها وهذا إلى وجوهها وأقسامها.
ومن علم الآداب والشمائل المحمودة على نحو من علم العبادات والمعاملات أحكام الصروف والجنايات. ومن التسبيح والتقديس والدعاء والتحميد ما لا تبلغه بلاغة البلغاء ويعجز عنه علية الفصحاء.
ويضاف إلى هذه الأبواب المواعظ والأمثال والقصص والوعد والوعيد، وما بقي منها إلا اليسير خلا عن العبادة، والتركيز في مواضع كثيرة بالألفاظ مختلفة، والأمر فيها مؤتلف، والقائم به واحد منفرد، فلا يمكن أن يكون استوى ذلك كله له حتى تولى وصعد من تلقاء نفسه، لأن إمكان ذلك مباين للعادات لا يكاد يتفق ذلك لأحد من الناس فيما يحفظ أو يعرف أن جميع هذه ولا سيما على شرطه في الإعادة والتكرير والعبادة عنه كل واحد منهما بعبارات كثيرة، وألفاظ مختلفة في كتاب قدره كقدر القرآن، وجملته كجملته، وفي ذلك ما يدل على أنه إنما جاء به من عند اللطيف الخبير الذي هو على ما يشاء قدير.
والآخر أنه ما من باب من هذه الأبواب التي ذكرناها إلا وهو ناقص بها عادة فرق من الفرق التي عددناها، فإنه بما جاء به من الشرائع والأذكار والدعوات نقص عادة العرب، وخالف طريقة عامة المعطلة، فلا يمكن أن يكون أخذ عنههم ما لم يكن عنهدهم.
وأما أهل الملك فقد خالفهم أيضا، لأنه جاء بغير ما كانوا عليه من العبادات والأحكام وكذبهم في كثير مما كانوا عليه يدعونه دينا وكذبا بالله عز وجل، ولعنهم وكفرهم وضللهم وقتلهم وغنهم أموالهم وسبى ذراريهم ونساءهم وضرب الجزية على الذين سالمهم، وأنذر بالنار والعذاب الدائم من مات منهم، ولم يكن أن يكون أحد من يخالف دينهم عنهم.