ويقولون: سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه، ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق}، وقالوا: في هذه الآية دليل على أن قولهم المصر على الكبيرة ستغفر في قول غير حق.
قيل لهم: إن هذه الآية في اليهود، والذين وصفهم الله تعالى في أكل أموال الناس بالباطل في آية، وأكلهم السحت، في آية أخرى، وتخويفهم كتاب الله، وقولهم مع ذلك {لن تمسنا النار إلا أياما معدودة}، ودعواهم إنهم أبناء الله وأحباؤه، أي أنه متجاوز عنهم حيالهم كما يتجاوز الناس عمن يحبونه، ما لا يتجاوزنه عن غيره.
فأخبر الله عز وجل أن قولهم سيغفر لنا قول غير حق، لأن من حكم الله تعالى أن لا يغفر للكفار وهم كفار، وإن احتجوا بقول الله جل ثناؤه، {إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم، يصلونها يوم الدين، وما هم عنها بغائبين}.
قيل لهم: إن اله تعالى قابل الفجار بالمتقين في غير هذه الآية فقال: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار}، فولت هذه المقابلة على أن الفاجر خلاف المتقي.
ومعلوم أن رأس التقوى هو الإيمان فلا يقال لغير المؤمن تقي. فدل ذلك على أن رأس الفجور المقابل للتقوى هو الكفر، وقابل في هذه الآية: الفجار بالأبرار، ورأس البر الإيمان.
قال عز وجل: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر}، فعلمنا أن رأس الفجور هو الكفر، وإن الفجار المقابلين بالأبرار وبالمتقين هم الكفار، ولسنا ننكر أن يكون الكفار مرادين بالآية.
وجواب آخر: وهو إن ثبت أن المراد بالفجار أصحاب الكبائر من أهل القبلة، فلسنا ننكر أن يصلوا يوم القيامة النار، ولكن قوله عز وجل: {وما هم عنها بغائبين}، عن حضرتها فلا يمكن أن يصلوها لكنهم لابد مارون عليها مشاهدوها، والآخر إنهم إذا دخلوها لم يخرجوا منها، فوجب صرفه إلى الوجه الأول للمعاني التي سبق تكريرها.