التأويل، لأن فيه أن المشفوع له يكون أهل الكبيرة حتى يشفع له، والتائب في الدنيا لا يوافي القيامة بكبيرته، فلا تكون الشفاعة كما ذكرت شفاعة لصاحب كبيرة لأنه لا كبيرة له يحاسب بها يوم القيامة.
وأيضا فإن الروايات قد نطقت بإبطال هذا التأويل لأن ابن عباس قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: شفاعتكم للمتقين! فقال: إن المتقين في غناء، إن الله عز وجل يقول {إن للمتقين مفازا}، إنما شفاعتي للهلاك من أمتي. ومعلوم أن التائب لا يكون هالكا، فصح أن المراد به المضر على الكبيرة والله أعلم.
وأيضا فإن التائب إذا دخل الحنة أثبت بالإيمان، فلو جاز أن يشفع لكل مقصر به عن غيره ليبلغ درجة من فوقه إلى أن يستوي أهل الجنة كلهم في نعيمها، ويزول التفاضل من بينهم. ومعلوم أن ذلك لا يكون، فالذي قاله مثله وبالله التوفيق.
وأيضا فإن الذي في العادات، إن الشفاعة لمن عظم ذنبه بعد ما عفي عنه ليخلو بمن لا ذنب له إحسانا إليه أعظم من الشفاعة له ليعفي عنه. فإن كانت أعظم الشفاعتين جائزة، فلم لا تجوز دونها؟ وبالله التوفيق.
وإذا بطلت هذه العلل كلها صح أن يخلو أصحاب الكبائر من أهل القبلة في النار، وكان مما بيناه أنهم مؤمنون بما يوجب أن يكون لهم في الجنة نصيب، وأن وافوا القيامة غير تائبين، لأن الله عز وجل في قضائه، فلا يجوز أن يستوفي بتعذيب صاحب الكبيرة حقه ولا يوفيهم من عذاب الإيمان حقه. وإذا كان ذلك غير جائز، وكان من أدخل الجنة للثواب لا يخرج منها أبدا، دل على أنه إذا عذب لم يعذب دائما، ولكن إلى وقت، ثم يخرج إلى الجنة، وبالله التوفيق.
فإن قيل: الدار داران: الجنة والنار، وقد أجمعنا على أن من أدخل الجنة للثواب لم يخرج منها، ومن يدخل النار ولم يكن كافرا لم يخرج منها أيضا، كما لا يخرج المؤمن من الجنة، وإن كان غير كافر لم يجز أن يخلد فيها، لأن ذلك يؤدي إلى حرمانه أجر الإيمان، وذلك غير جائز، وبالله التوفيق.
قال قائل: ما أنكرتم أن يكون جزاء إيمانه تخفيف العذاب عنه في النار، فقال: