كانوا يقولون: {وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب}.
وإن قوم نوح كانوا يستغشون ثيابهم يتستروا منه لئلا يروه ولا يسمعوا كلامه.
وقد أخبر الله عز وجل عن الكفار في وقت نبينا صلى الله عليه وسلم بمثله فقال: {ألا أنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون}، وبالله التوفيق. وإن سلب أبصارهم فلأنهم أبصروا بالعين فلم يعتبروا، أو النطق فلأنهم أوتوه فألحدوا وكفروا والله أعلم.
وأما الحشر على الوجوه: فالمراد به حال السوق إلى جهنم، فيجمع عليهم فيها بين الحشر على الوجوه وبين سلب الحواس والمنطق، وقد بين ذلك في آية أخرى فقال: {الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا} فبان الحشر على الوجوه، إنما يكون حال السوق إلى النار.
فأما حال البعث: فإنهم يبعثون قياما، لقول الله عز وجل: {فإذا هم قيام ينظرون} وأما حال السوق إلى موضع الحساب، فإنهم ينسلون فيها ويسرعون {كأنهم إلى نصب يوفضون}. فهذا وجه الجمع بين هذه الآيات عندنا والله أعلم.
وقد يحتمل قول الله عز وجل: {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما}. على ما ذكرنا في أن هذا يكون في حال سوقهم إلى النار وجها آخر، وهو أن يكون ذلك مثلا مضروبا لهم: وهو أن الله عز وجل وصفهم في هذه الدار بأنهم صم وبكم وعمي، ثم كان معنى ذلك لأنهم صم عما يسمعونه من دعاء الداعي إلى الله عز وجل، بكم عن الإجابة عمي عن البينات والحجج.
فكذلك وصفهم الله تعالى في الآخرة، عندما يحشر المتقون إلى الرحمن وفدا أو يساق المجرمون إلى جهنم وردا، بأنهم يكونون عميا بكما صما على السنة، وهو أنهم صم عن تحيات الملائكة وبشارتهم، بكم عن المعاذير والحجج، كما قال الله عز وجل: {هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون} أي لا يكون لهم كلام يجري عليهم فيتكلمون به،