فصل
إن سأل سائل: عن وجه إنزال عيسى صلوات الله عليه لقتل الدجال دون نصرة المؤمنين الذين يكرمون يومئذ عليه، فيكونوا هم الذين يقتلونه.
قيل له: يحتمل أن يكون ذلك لأن اليهود همت بقتل المسيح عليه السلام وصلبه. وجرى أمرهم معه على ما بينه الله تعالى في كتابه، وهم أبدا يدعون أنهم قتلوه، وينسبونه إلى السحر وغيره، إلى ما كان الله تعالى يراه، ونزهه منه.
وقد ضرب الله تعالى عليه الذلة، فلم تقم منذ أعز الله تعالى الإسلام وأظهره راية، ولا كان لهم في بقعة الأرض سلطان ولا قوة ولا شوكة.
ولا يزالون كذلك إلى أن تقرب الساعة فيظهر الدجال، وهو أسحر المسيح، ويتابعه اليهود فيكونون يومئذ حيرة مقديرين أنهم ينتقمون به من المسلمين، فإذا صار أحدهم إلى هذا أنزل الله تعالى المسيح عليه السلام إلى عندهم أنهم قتلوه، وأبرزه لهم ولغيرهم من الموافقين والمخالفين حيا، ونصره على رأسهم وكبيرهم المدعي الربوبية فقتله، ويهزم جنده حتى إذا فرغ منه اتبع بمن معه من اليهود المؤمنين اليهود فلا يجدون مهربا وأن توارى أحد منهم بشجرة أو مدرة أو حجر أو جدار ناداه:
يا روح الله ها هنا يهودي حتى يوقف عليه، فإما أن يسلم وإما أن يقتل. فكذلك كل كافر من كل صنف فلا يبقى على وجه الأرض كافر ويدرك المسيح صلوات الله عليه من أعداؤه، عندما رفعوا رؤوسهم وظنوا أن الأمر قد عاد إليهم تارة، ويشفي الله تعالى منهم صدره ويذيقهم ما هموا أن يذيقوه، وظنوا أنهم فعلوه.
ويظهر للمسلمين أن ما بلغهم نبيهم صلى الله عليه وسلم من أمره عن الله تعالى كان حقا كما عرفوه واعتقدوه، فيقع العلم به عيانا، ويصير ذلك دلالة باهرة على موته، بعدما قبضه الله تعالى إلى كرامته والله أعلم.
ووجه آخر: وهو أنه يحتمل أن يكون إنزال عيسى صلوات الله عليه وسلم لا لقتال الدجال، ولكنه لدنو أجله، لأنه رفع إلى السماء فبقى فيها ما أراد الله تعالى، إلا أنه قد جعل له أجلا إذا جاء أدركه من الموت ما يدرك أمثاله، ثم لا ينبغي للخوف من التراب