من بدن غيره لجزاء، لأن ذلك لو كانت بتألم به الكافر الذي كانت هذه منه. وإنما الجزاء له، فكيف يجزي بما لا يجده في نفسه ولا يشعر والله أعلم.
فإن قيل: فما الفرق بين ما أكله السبع وحوت الماء والطير؟ يقولون أنه يرد إلى الأبدان التي أكلت منها، وبين ما أكله الناس بعضهم من بعض يقولون أن شيئا منه لا يرد إلى أصله لكن صاحبه يعوض منه.
قيل: الفرق بين الناس ما أكله الناس من بعضهم من بعض، فقد انقلب من مكلف إلى مكلف، فلا بد للمكلف في الدنيا من معاد وجزاء في العقبى. والمعاد إما جنة وإما نار، أوجبنا أن يكون الأكل أحق بأن يبقى له ما أكل من المأكول منه، لأن ذلك إن لم يكن كذلك يؤدي إلى إدخال جزء من الكافر الجنة أو جزء من المؤمن النار، وقد بينت في أكل المؤمن لحم الكافر، وأكل الكافر لحم المؤمن، وإذا وجب هذا الحكم من هذين، كان أكل المؤمن لحم المؤمن وأكل الكافر لحم الكافر في معناها. لأن كلا من ذلك أكل مكلف من لحم مكلف.
فقلنا: إن ما أكله الآكل فمتروك عليه والمأكول لحمه يعوض عنه. وأما ما أكله سبع أو طائر أو حوت، فهو في معنى ما أكلته الأرض نفسها فلما كان ما تأكله الأرض لا يترك ترابا، لكنه يعاد كما كان فكذلك ما يأكله حيوان لا تكليف عليه. فإنه يعاد كما كان أولا يترك على ذلك الحيوان والله أعلم.
فإن قيل: إذا أجزتم أن يخلو الجزء الذي أكله الكافر من لحم المؤمن عن التنعم بالثواب الذي يصل إلى المؤمن، فلم لا أجزتم أن يخلو بدنه من التنعم أصلا، وأن يكون ثواب نفس المؤمن والسرور الدائم والراحة دون المطاعم والمشارب والملابس والمناكح، فيصير بذلك إلى قول غيركم.
قيل: إنما أجزنا أن يخلق الجزاء الفائت من بدن المؤمن عن التنعم بالثواب الذي يصل إلى المؤمن على شرائطه أن يعوض الله جل جلاله المؤمن منه عوضا فيكون وصول نعمة الثواب إلى النفس من قبل البدن قديمة وحديثة، فإنما يقام وصوله إليها من قبل الأول لو كان باقيا بحالة لم يفت منه شيء.
فكيف يلزمنا عن هذا أن نجيز خلو البدن من التنعم بالثواب أصلا، وانفراد النفس