به دونه، بل الأصل أن نفس المؤمن لما لم تنفرد باكتساب الطاعات عن البدن، لكن جهد العبادة خلص إلى النفس من قبله، فلذلك ينبغي أن تخلص نعمة الثواب إليها من قبل البدن. فإن كان البدن المكتسب للطاعات فإنما تخاله معرضا للإبانة بتنعم الثواب. وإن كان أو بعضه فانيا، قام المثل الذي يبتدئ الله جل جلاله خلقه المؤمن مقامه والله أعلم.
فإن قيل: كيف يجوز هذا، والعوض المبتدأ خلقه ليس هو الذي كان اكتساب الطاعات به.
قيل: يجوز، لأن الذي كان اكتساب الطاعات منه لم يتفق ذلك إلا بحلول النفس المؤمنة إياه، وتصريفهما له، فإذا انقلب بعد، فصار من بدن كافر، وكان إيراده الجنة فتجاوز كل ما يخلق للنفس من مثله ليحله ويخلص من قبل ما يناله من الثواب والنعمة واللذة إليها، فذلك قائم مقام الفائت وعامل عمله.
فإن قيل: فما تقول في كافر قتل مؤمنا ومزقه وقطعه ولم يدع منه لحما ولا عظما ولا شيئا قط إلا أكله، كيف يبعث؟
قيل: الأصل الذي ذكرنا، يقتضي أن يخلق الله تعالى لنفسه بدنا جديدا ويصرف الثواب الذي استحقه عليه، فيكون هذا الخلق الجديد عوضا له من بدنه الفائت والله أعلم.
فإن قيل: فإن كان هذا هكذا، فأجزاء يحدث الله تعالى عند النشأة الثانية. لكل نفس بدنا جديدا أو لا يعيد البدن الذي كان؟
قيل: ولا هذا يلزمنا لأنا لم نقل أن ما فات من بدن المؤمن، فإن صار بدنا للكافر ولا يعاد، فيلزمنا عن ذلك إجازة أن لا يعاد شيء أصلا.
وأما التعويض فإنما يليق بما فات، لأن ما هو قائم بعينه، فكلما أكلته الأرض فإنما هو البدن غير أن أغراضه تبدلت بإعادة الأعراض التي كانت له حتى يصير بدنا كما كان، أولى بها من خلق بدن جديد لينال بالثواب ما أجهده العمل بعينه، حتى إذا كان اتصال الثواب إلى ما أجهده العمل مجالا لانقلاب ما كانت الطاعة اجهدته بدن كافر، كانت إقامة مثله مقامة ما عدل وأمثل، فإنه لم يقم مقامه مثله حلت النفس، ولم تتبع وحدها لتنعم أصلا، ففي ذلك اتصال الثواب وإبطاله يضيع الحسنات.