الأرض أثقالها، وفرغت وتجلت وشهد بذلك قوله عز وجل: {إن زلزلة الساعة شيء عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد}.
فنص على أنهم يرونها ويفزعون منها ويصيرون من الخوف إلى الحال التي وصفها، ثم أبان ذلك، لأن عذاب الله شديد، فصح أن الزلزلة الموصوفة بالعظم إنما تكون يوم التقدير والجزاء والله أعلم.
وأما قوله: {تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها}.
فإنه يحتمل وجهين: أحدهما. أن يكون ذلك مثلا، أن يكون يوما لا يهم أحدا فيه إلا نفسه، والحامل تسقط من مثله كما تسقط الحوامل من الصيحة الشديدة من طلب السلطان ونحوه. فإنما أريد بذلك على أن الهول يكون عظيما والخوف شديدا.
والوجه الآخر: أن يكون ذلك حقيقة لا مثلا، ويكون المعنى أن من كانت محشورة مع ولد رضيع، فإنها إذا رأت هذه الزلزلة ذهلت عن ولدها، ومن حشرت حاملا وضعت حملها.
ثم يحتمل أن يحيي الله كل حمل كان قد أتم خلقه، ونفخ فيه الروح ويسويه ويعدله، فإن الأم تذهل عنه، ولو لم تذهل ما قدرت على إرضاعه، لأنه لا غذاء لها يومئذ ولا لبن، واليوم يوم الحساب والجزاء لا يقبل من أحد فيه عذر ولا علة، فكيف والاشتغال بالولد ما عليها من الحساب، وهي بصدده من الجزاء.
وأما كل حمل لا ينفخ فيه الروح قط، فإنه إذا سقط صار مع الوحوش ترابا، ولم يبدأ حياة، لأن اليوم يوم الإعادة فمن لم يمت في الدنيا لم يحيى يومئذ والله أعلم.
وقد قال الله عز وجل: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمنا}.
وقال: {ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة، وحشرناهم}، {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب}.