وقد كنت قبل اشتغالى بهذه العلوم، ذلك في السنة الثالثة عشرة، مشغوفًا
بالأخبار والحكايات، شديد الحرص على الاطلاع على ما كان في الزمان القديم، والمعرفة بما جرى في القرون الخالية.
فاطلعت على التصانيف المؤلفة في الحكايات والنوادر، على اختلاف
فنونها، ثم انتقلت عن ذاك إلى محبة الأسمار والخرافات، ثم إلى الدواوين الكبار، مثل ديوان أخبار عنترة، وديوان ذو الهمة والبطال، وأخبار الإسكندر ذى القرنين، وأخبار العنقاء، وأخبار المطرف بن لوذان وغير ذلك.
ثم إنى لما طالعت ذلك اتضح لي أن أكثره من تأليفات الوراقين، فطلبت
الأخبار الصحيحة، فمالت همتى إلى التواريخ، فقرأت كتاب أبى على بن مسكويه الذى سماه "تجارب الأمم "، وطالعت "تاريخ الطبري"، وغيرهما من التواريخ، وكان يمر بى في هذه التواريخ أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم -، وغزواته، وما أظهره الله عليه من المعجزات، وما خصه به من الكرامات، وحباه من النصر والتأييد في غزاة بدر، وغزاة خيابر وغيرها.
وقصة منشئه في اليتم والضعف ومعاداة أهله له، وإقامته فيما بينه وبين أعدائه، يجاهرهم بإنكار دينهم عليهم، والدعوة إلى دينه مدةً طويلة، وسنين
كثيرة، إلى أن أذن الله له في الهجرة إلى دار عزَّة، وما جرى للأعداء التي جاهدوه من أهل الكتاب، ومصرعهم بين يديه بسيوف أوليائه ببدرٍ وغيرها.