فتبين أن الجنة إنما يدخلها المؤمنون بعد التهذيب والتنقية من بقايا الذنوب، فكيف بمن لم يكن له حسنات يعبر بها الصراط؟
وأيضاً فإذا كان سببها ثابتاً فالجزاء كذلك، بخلاف الحسنة، فإنها من إنعام الحي القيوم الباقي، الأول الآخر، فسببها دائم، فيدوم بدوامه.
وإذا علم الإنسان أن السيئة من نفسه، لم يطمع في السعادة التامة، مع ما فيه من الشر، بل علم تحقيق قوله تعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} النساء: ١٢٣ ، وقوله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} الزلزلة: ٧، ٨ .
وعلم أن الرب عليم حليم، رحيم عدل، وأن أفعاله جارية على قانون العدل والإحسان، وكل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يمين الله ملأى، لا يَغِيضُها نفقة، سَحَّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض؟ فإنه لم يَغِضْ ما في يمينه، والقِسْط بيده الأخرى يخفض ويرفع ".
وعلم فساد قول الجهمية، الذين يجعلون الثواب والعقاب بلا حكمة ولا عدل، ولا وضع للأشياء مواضعها، فيصفون الرب بما يوجب الظلم والسفه، وهو سبحانه قد شهد {أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} آل عمران: ١٨ .
ولهذا يقولون: لا ندري ما يفعل بمن فعل السيئات، بل يجوز عندهم أن يعفو عن الجميع، ويجوز عندهم أن يعذب الجميع، ويجوز أن يعذب ويغفر بلا موازنة، بل يعفو عن شر الناس، ويعذب خير الناس على سيئة صغيرة، ولا يغفرها له.