فإذا كانت النفس متصفة بالسوء والخبث لم يكن محلها ينفعه إلا ما يناسبها.
فمن أراد أن يجعل الحيات والعقارب يعاشرون الناس كالسنانير لم يصلح.
ومن أراد أن يجعل الذي يكذب شاهداً على الناس، لم يصلح.
وكذلك من أراد أن يجعل الجاهل معلماً للناس، مفتياً لهم، أو يجعل العاجز الجبان مقاتلا عن الناس، أو يجعل الأحمق الذي لا يعرف شيئاً سائساً للناس، أو للدواب، فمثل هذا يوجب الفساد في العالم، وقد يكون غير ممكن، مثل من أراد أن يجعل الحجارة تَسْبَح على وجه الماء كالسفن، أو تصعد إلى السماء كالريح، ونحو ذلك.
فالنفوس الخبيثة لا تصلح أن تكون في الجنة الطيبة التي ليس فيها من الخبث شيء، فإن ذلك موجب للفساد، أو غير ممكن.
بل إذا كان في النفس خبث طهرت وهذبت، حتى تصلح لسكنى الجنة.
كما في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن المؤمنين إذا نجوا من النار أي عبروا الصراط وقفوا على قَنْطَرة بين الجنة والنار، فيُقْتَصّ لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، فإذا هُذِّبوا ونُقُّوا أذن لهم في دخول الجنة ".
وهذا مما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فو الذي نفس محمد بيده، لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا ".
والتهذيب: التخليص، كما يهذب الذهب، فيخلص من الغش.