لكونه ينعم بهذه، ويعذب بهذه. والالتفات إلى هذا هو من حظوظ النفس، ومقام الفناء ليس فيه إلا مشاهدة مراد الحق.
وهذه المسألة وقعت في زمن الجنيد، كما ذكر ذلك في غير موضع.
وبين لهم الجنيد الفرق الثاني، وهو أنهم مع مشاهدة المشيئة العامة لابد لهم من مشاهدة الفرق بين ما يأمر الله به وما ينهى عنه وهو الفرق بين ما يحبه وما يبغضه. وبين لهم الجنيد، كما قال في التوحيد: هو إفراد الحدوث عن القدم.
فمن سلك مسلك الجنيد، من أهل التصوف والمعرفة، كان قد اهتدى ونجا وسعد.
ومن لم يسلك في القدر مسلكه، بل سوى بين الجميع، لزمه ألا يفرق بين الحسنات والسيئات، وبين الأنبياء والفساق، فلا يقول: إن الله يحب هؤلاء وهذه الأعمال. ولا يبغض هؤلاء وهذه الأعمال، بل جميع الحوادث هو يحبها كما يريدها، كما قاله الأشعري. وإنما الفرق: أن هؤلاء ينعمون، وهؤلاء يعذبون.
والأشعري لما أثبت الفرق بين هذا وهذا بالنسبة إلى المخلوق كان أعقل منهم.
فإن هؤلاء يدعون أن العارف الواصل إلى مقام الفناء لا يفرق بين هذا وهذا.
وهم غلطوا في حق العبد وحق الرب.
أما في حق العبد، فيلزمهم أن تستوى عنده جميع الحوادث، وهذا محال قطعاً. وهم قد تمر عليهم أحوال يفنون فيها عن أكثر الأشياء،