أما الفناء عن جميعها فممتنع؛ فإنه لابد أن يفرق كل حي بين ما يؤلمه وبين ما يلذه، فيفرق بين الخبز والتراب، والماء والشراب.
فهؤلاء عزلوا الفرق الشرعي الإيمانى الرحمانى، الذي به فرق الله بين أوليائه وأعدائه، وظنوا أنهم مع الجمع القدري.
وعلى هذا، فإن تسوية العبد بين جميع الحوادث ممتنع لذاته، بل لابد للعبد من أن يفرق؛ فإن لم يفرق بالفرق الشرعي فيفرق بين محبوب الحق ومكروهه وبين ما يرضاه وما يسخطه وإلا فرق بالفرق الطبعي بهواه وشيطانه، فيحب ما تهواه نفسه، وما يأمر به الشيطان.
ومن هنا وقع منهم خلق كثير في المعاصي، وآخرون في الفسوق، وآخرون في الكفر، حتى جَوَّزوا عبادة الأصنام.
ثم كثير منهم من ينتقل إلى وحدة الوجود، وهم الذين خالفوا الجنيد وأئمة الدين في التوحيد، فلم يفرقوا بين القديم والمحدث.
وهؤلاء صرحوا بعبادة كل موجود كما قد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع وهو قول أهل الوحدة، كابن عربي الحاتمي، وابن سبعين، والقونوي، والتلمسانى، والبليانى، وابن الفارض، وأمثالهم.
والمقصود هنا: الكلام على من نفى الحكم والعدل والأسباب في القدر من أهل الكلام والمتصوفة، الذين وافقوا جهماً في هذا الأصل. وهو بدعته الثانية التي اشتهرت عنه، بخلاف الإرجاء؛ فإنه منسوب إلى طوائف غيره.
فهؤلاء يقولون: إن الرب يجوز أن يفعل كل ما يقدر عليه