وليس الأمر كذلك بل المحتاج إليه هو ما به يعلم المطلوب سواء كانت مقدمة أو اثنتين أو ثلاثا والمغفول عنه ليس بمعلوم حال الغفلة فإذا تذكر صار معلوما بالفعل وهنا الدليل هو العلم بأن البغلة لا تحبل وهذه المقدمة كان زاهلا عنها فلم يكن عالما بها العلم الذي يحصل به الدلالة فان المغفول عنه لا يدل حين ما يكون مغفولا عنه بل إنما يدل حال كونه مذكورا إذ هو بذلك يكون معلوما علما حاضرا.
والرب تعالى منزه عن الغفلة والنسيان لأن ذلك يناقض حقيقة العلم كما أنه منزه عن السنة والنوم لأن ذلك يناقض كمال الحياة والقيومية فان النوم اخو الموت ولهذا كان أهل الجنة لا ينامون كما لا يموتون وكانوا يلهمون التسبيح كما يلهم احدنا النفس.
والمقصود هنا أن وجه الدليل العلم بلزوم المدلول له سواء سمي استحضارا أو تفطنا أو غير ذلك فمتى استحضر في ذهنه لزوم المدلول له علم أنه دال عليه وهذا اللزوم أن كان بينا له وإلا فقد يحتاج في بيانه إلى مقدمة أو ثنتين أو ثلاثة أو أكثر.
والأوساط تتنوع بتنوع الناس فليس ما كان وسطا مستلزما للحكم في حق هذا هو الذي يجب أن يكون وسطا في حق الآخر بل قد يحصل له وسط آخر.
فالأوساط هو الدليل وهو الواسطة في العلم بين اللازم والملزوم وهما المحكوم والمحكوم عليه فان الحكم لازم للمحكوم عليه ما دام حكما له والأواسط التي هي الأدلة مما يتنوع ويتعدد بحسب ما يفتحه الله للناس من الهداية كما إذا كان الوسط خبر صادق فقد يكون الخبر لهذا غير الخبر لهذا.
وإذا رأى الناس الهلال وثبت عند دار السلطان وتفرق الناس فأشاعوا ذلك في البلد فكل قوم يحصل لهم العلم بخبر من غير المخبرين الذين اخبروا غيرهم.
والقران والسنة الذي بلغه الناس عن الرسول بلغ كل قوم بوسائط غير