(فصل (١)
ثم النهيُ وهو: طلب الامتناع عن الفعل على طريق الاستعلاء مما يقتضي الحرمة).
اعلم أن حقَّه أن يحدَّ النهيَ بحدٍّ يُقابل حدَّ الأمر، فيقول: هو اللفظُ الدالُّ على طلب الامتناع بالقول على وجه الاستعلاء. وأما مجرَّد الطلب، أو الطلب بغير القول ق ٢٧٢ــ وإن سُمي نهيًا ــ ففي كونه حقيقةً أو مجازًا خلافٌ مشهور، والذي عليه الجماهير أنه مجاز.
وأما قولُه: «طلب الامتناع» فهنا بحثٌ، وهو أن المطلوبَ بالنهي ما هو ــ بعد الاتفاق على أن المطلوبَ به الترك ــ؟
فالذي عليه أكثرُ الأصوليين أن المطلوبَ به أمرٌ وجوديٌّ، وهو فعلُ ضدِّ المنهيِّ عنه، وهو الكفُّ مثلًا، أو الامتناع.
وذهب بعضُ المتكلِّمين إلى أن المطلوب به عدم المنهيِّ عنه، وهو نفس أن لا يفعل المنهيَّ عنه؛ لأن مقصود الناهي عدم ذلك الأمر المنهيِّ عنه، وقد لا يخطر بباله الاشتغالُ بضدِّه.
نعم، ذلك من باب ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به، وهو مبنيٌّ على أنَّ النهي عن الشيء أمرٌ بضدِّه.
ووَجْه الأول: أن النهي طلب واقتضاء، والمطلوب المقتضى لابدَّ أن يكون مُسْتَطاعًا للعبد ومقدورًا عليه له، والعدمُ المحض والنفي الصِّرْف ليس مقدورًا له، ولا هو من آثار قدرته واستطاعته، فامتنع أن يكون مطلوبًا منه.
(١) «الفصول»: (ق/١٠ ب). وانظر: «شرح المؤلِّف»: (ق/٩٦ أ- ٩٨ أ)، و «شرح السمرقندي»: (ق/٧٦ أ- ٧٧ ب)، و «شرح الخوارزمي»: (ق/٨٩ أ- ٩٠ ب).