عند من له معرفة بالنقل والآثار ١,فإن الشافعي لما قدم بغداد لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عنده ألبتة, بل ولم يكن هذا على عهد الشافعي معروفا, وقد رأى الشافعي بالحجاز واليمن والشام والعراق ومصر من قبور الأنبياء والصحابة والتابعين, من كان أصحابها عنده وعند المسلمين أفضل من أبي حنيفة وأمثاله من العلماء، فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عنده.
ثم إن أصحاب أبي حنيفة الذي أدركوه مثل أبي يوسف, ومحمد بن الحسن, وزفر, والحسن بن زياد, وطبقتهم لم يكونوا يتحرون الدعاء عند قبر أبي حنيفة ولا غيره,
ثم إن الشافعي قد صرح في بعض كتبه بكراهة تعظيم قبور المخلوقين خشية الفتنة بها, وإنما يضع هذه الحكايات من يقل علمه ودينه, وإما أن يكون المنقول من هذه الحكايات عن مجهول لا يعرف, ونحن لو روي لنا مثل هذه الحكايات المسيبة أحاديث عمن لا ينطق عن الهوى لما جاز التمسك لها حتى تثبت, فكيف بالمنقول عن غيره.
ثم هذه الحجج دائرة بين نقل لا يجوز إثبات الشرع به, أو قياس لا يجوز استحباب العبادات بمثله, مع العلم بأن الرسول لم يشرعها, وتركه مع قيام المقتضي بمنزلة فعله, وإنما يثبت العبادات بمثل هذه الحكايات والمقاييس من غير
١ في ط: الرياض "نقل".