سورة محمد (47) : آية 15مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15)
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ أي: صِفَتُها، وقد شرحناه في الرعد «1» . و «المتَّقون» عند المفسرين: الذين يَتَّقون الشِّرك. و «الآسِن» المتغيِّر الرِّيح، قاله أبو عبيدة، والزجاج. وقال ابن قتيبة:
هو المتغير الرِّيح والطَّعم، و «الآجِن» نحوه. وقرأ ابن كثير: «غيرِ أسِنٍ» بغير مد. وقد شرحنا قوله:
لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ في الصافات «2» : قوله تعالى: مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى أي: من عسل ليس فيه عكر ولا كدر كعسل أهل الدنيا. قوله تعالى: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ قال الفراء: أراد: مَنْ كان في هذا النعيم، كمن هو خالد في النار؟!. قوله تعالى: ماءً حَمِيماً أي: حارا شديد الحرارة. و «الأمعاء» جميع ما في البطن من الحوايا.
سورة محمد (47) : الآيات 16 الى 18وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (18)
قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ يعني المنافقين. وفيما يستمعون قولان: أحدهما: أنه سماع خطبة رسول صلّى الله عليه وسلّم يومَ الجمعة. والثاني: سماع قوله على عموم الأوقات. فأمّا الذين أُوتُوا الْعِلْمَ، فالمراد بهم: علماء الصحابة.
قوله تعالى: ماذا قالَ آنِفاً قال الزجاج: أي: ماذا قال الساعة، وهو من قولك: استأنفتُ الشيء: إذا ابتدأتَه، وروضة أنف: لم تُرْعَ، أي: لها أوَّل يُرْعى فالمعنى: ماذا قال في أوَّل وقت يَقْرُبُ مِنّا. وحُدِّثْنا عن أبي عمر غلامِ ثعلب أنه قال: «آنفاً» مُذْ ساعة. وقرأ ابن كثير، في بعض الروايات عنه:
«أَنِفاً» بالقصر، وهذه قراءة عكرمة، وحميد، وابن محيصن. قال أبو علي: يجوز أن يكون ابن كثير توهَّم، مثل حاذِر وحَذِر، وفاكِه وفَكِه. وفي استفهامهم قولان: أحدهما: لأنهم لم يَعْقِلوا ما يقول، ويدُلُّ عليه باقي الآية. والثاني: أنهم قالوه استهزاءً.
قوله تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا فيهم قولان: أحدهما: أنهم المسلمون، قاله الجمهور. والثاني:
قومٌ من أهل الكتاب كانوا على الإِيمان بأنبيائهم وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا بعث محمّد صلّى الله عليه وسلّم آمَنوا به، قاله عكرمة. وفي الذي زادهم ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الله عزّ وجلّ. والثاني: قول الرسول. والثالث:
استهزاء المنافقين زاد المؤمنين هُدىً، ذكرهن الزجاج. وفي معنى الهُدى قولان: أحدهما: أنه العِلْم.
والثاني: البصيرة. وفي قوله: وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ ثلاثة أقوال: أحدها: ثواب تقواهم في الآخرة، قاله السدي. والثاني: اتِّقاء المنسوخ والعمل بالناسخ، قاله عطية. والثالث: أعطاهم التقوى مع الهُدى، فاتَّقَوْا معصيته خوفاً من عقوبته، قاله أبو سليمان الدّمشقي. ويَنْظُرُونَ بمعنى ينتظِرون، أَنْ تَأْتِيَهُمْ وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو الأشهب، وحميد: «إِنْ تَأْتِهم» بكسر الهمزة من غير ياء بعد التاء. والأشراط:
العلامات قال أبو عبيدة: الأشراط: الأعلام، وإِنما سمِّي الشُّرط- فيما تَرى- لأنهم أعلموا أنفُسهم.
قال المفسّرون: ظهور النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أشراط الساعة، وانشقاقُ القمر والدخانُ وغير ذلك. فَأَنَّى لَهُمْ