أي: فمِن أين لهم إِذا جاءَتْهُمْ الساعة ذِكْراهُمْ؟! قال قتادة: أنَّى لهم أن يَذَّكَّروا ويتوبوا إذا جاءت؟!
سورة محمد (47) : الآيات 19 الى 21فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (20) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (21)
قوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ قال بعضهم: اثْبُتْ على عِلْمك، وقال قوم: المراد بهذا الخطاب غيره وقد شرحنا هذا في فاتحة الأحزاب. وقيل: إِنه كان يَضيق صدرُه بما يقولون، فقيل له:
اعْلَمْ أنه لا كاشفِ لما بِكَ إِلاّ اللهُ.
فأمّا قوله: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ فإنه كان يَستغفر في اليوم مائة مرة، وأُمر أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات إِكراماً لهم لأنه شفيعٌ مُجابٌ. وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ فيه ثلاثة أقوال: أحدها:
مُتقلَّبكم في الدنيا ومثواكم في الآخرة، وهو معنى قول ابن عباس. والثاني: مُتقلَّبكم في أصلاب الرجال إلى أرحام النساء، ومقامكم في القبور، قاله عكرمة. والثالث: «مُتقلَّبكم» بالنهار و «مثواكم» أي: مأواكم بالليل، قاله مقاتل.
قوله تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ قال المفسرون: سألوا ربَّهم أن يُنزل سُورةً فيها ثواب القتال في سبيل الله، اشتياقاً منهم إلى الوحي وحِرصاً على الجهاد، فقالوا: «لولا» أي: هلا وكان أبو مالك الأشجعي يقول: «لا» هاهنا صلة، فالمعنى: لو أُنزلتْ سورة، شوقاً منهم إِلى الزيادة في العِلْم، ورغبةً في الثواب والأجر بالاستكثار من الفرائض. وفي معنى «مُحكَمة» ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها التي يُذْكَر فيها القتال، قاله قتادة. والثاني: أنها التي يُذْكَر فيها الحلال والحرام. والثالث:
التي لا منسوخ فيها، حكاهما أبو سليمان الدمشقي. ومعنى قوله: وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ أي: فُرِضَ فيها الجهاد. وفي المراد بالمرض قولان: أحدهما: النفاق، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، والجمهور. والثاني: الشكّ، قاله مقاتل.
قوله تعالى: يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ أي: يَشْخَصون نحوك بأبصارهم ينظرون نظراً شديداً كما ينظُر الشاخص ببصره عند الموت، لأنهم يكرهون القتال، ويخافون إِن قعدوا أن يتبيَّن نفاقُهم.
فَأَوْلى لَهُمْ قال الأصمعي: معنى قولهم في التهديد: «أَوْلَى لكَ» أي: وَلِيَكَ وقارَبَك ما تَكْره.
وقال ابن قتيبة: هذا وَعِيدُ وتهديد، تقولُ للرجُل- إذا أردتَ به سوءاً، فَفَاتَكَ- أوْلَى لكَ، ثم ابتدأ، فقال: طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ
.... وقال سيبويه والخليل: المعنى: طاعةُ وقولٌ معروفٌ أمثل. وقال الفراء: الطاعةُ معروفةٌ في كلام العرب، إِذا قيل لهم: افعلوا كذلك، قالوا: سَمعٌ وطاعةٌ، فوصف اللهُ قولَهم قبل أن تنزل السُّورة أنهم يقولون: سمعٌ وطاعة، فإذا نزل الأمر كرهوا. وأخبرني حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قال الله تعالى: فَأَوْلى، ثم قال: لَهُمْ أي: للذين آمنوا منهم (طاعةٌ) ، فصارت «أَوْلَى» وعيداً لِمَن كَرِهها، واستأنف الطاعة ب «لهم» والأول عندنا كلام