لَا يَجِبُ. حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رِعَايَةُ الِاحْتِيَاطِ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ مَدَارَ الْأَمْرِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى التَّخْفِيفِ وَإِزَالَةِ الْحَرَجِ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الْحَجِّ: 78 فَإِيجَابُ نَزْعِ اللَّصُوقِ حَرَجٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا يَجُوزُ. لَنَا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى أَوْ عَلى سَفَرٍ مُطْلَقٌ وَلَيْسَ فِيهِ تَفْصِيلُ أَنَّ السَّفَرَ هَلْ هُوَ طَوِيلٌ أَوْ قَصِيرٌ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّا إِذَا قُلْنَا السَّفَرَ الطَّوِيلَ وَالْقَصِيرَ سَبَبَانِ لِلرُّخْصَةِ لِكَوْنِ لَفْظِ السَّفَرِ مُطْلَقًا وَجَبَ أَنْ نَقُولَ: الْمَرَضُ الْخَفِيفُ وَالشَّدِيدُ سَبَبَانِ لِلرُّخْصَةِ لِكَوْنِ لَفْظِ الْمَرَضِ مُطْلَقًا، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ السَّفَرَ الْقَصِيرَ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّهُ انْصَرَفَ مِنْ قَوْمِهِ فَبَلَغَ مَوْضِعًا مُشْرِفًا عَلَى الْمَدِينَةِ فَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَطَلَبَ الْمَاءَ لِلْوُضُوءِ فَلَمْ يَجِدْ فَجَعَلَ يَتَيَمَّمُ، فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ: أَتَتَيَمَّمُ وَهَا هِيَ تَنْظُرُ إِلَيْكَ جُدْرَانُ المدينة! فقال: أو أعيش حَتَّى أَبْلُغَهَا، وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ بَيْضَاءُ وَمَا أَعَادَ الصَّلَاةَ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: الْمُسَافِرُ إِذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ وَيَخَافُ الْعَطَشَ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلِأَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ سَقَطَ عَنْهُ إِذَا أَضَرَّ بِمَالِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ إِلَّا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، فَإِذَا أَضَرَّ بِنَفْسِهِ كَانَ أَوْلَى.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: إِذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ وَكَانَ حَيَوَانٌ آخَرُ عَطْشَانًا مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ وَاجِبُ الصَّرْفِ إِلَى ذَلِكَ الْحَيَوَانِ، لِأَنَّ حَقَّ الْحَيَوَانِ مُقَدَّمٌ عَلَى الصَّلَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ الصَّلَاةِ عِنْدَ إِشْرَافِ صَبِيٍّ أَوْ أَعْمَى عَلَى غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ الْمَاءُ كَالْمَعْدُومِ، فَدَخَلَ حِينَئِذٍ تَحْتَ قَوْلِهِ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ وَلَكِنْ كَانَ مَعَ غَيْرِهِ مَاءٌ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ إِلَّا بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ جَازَ التَّيَمُّمُ لَهُ: لِأَنَّ قَوْلَهُ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الْحَجِّ: 78 رَفَعَ عَنْهُ تَحَمُّلَ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ كَالْفَاقِدِ لِلْمَاءِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا وَكَذَا الْقَوْلُ إِذَا كَانَ يُبَاعُ/ الْمَاءُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لَكِنَّهُ لَا يَجِدُ ذَلِكَ الثَّمَنَ، أَوْ كَانَ مَعَهُ ذَلِكَ الثَّمَنُ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ حَاجَةً ضَرُورِيَّةً، فَأَمَّا إِذَا كَانَ وَاجِدًا لِثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ إِلَيْهِ حَاجَةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَهُنَا يَجِبُ شِرَاءُ الْمَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: إِذَا وُهِبَ مِنَّةً ذَلِكَ الْمَاءَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، قَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ ذَلِكَ الْمَاءِ، لِأَنَّ الْمِنَّةَ فِي قَبُولِ الْهِبَةِ شَاقَّةٌ، وَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ لَمَّا جَعَلُوا هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الْحَرَجِ سَبَبًا لِجَوَازِ التَّيَمُّمِ فَلِمَ لَمْ يَجِدُوا خَوْفَ زِيَادَةِ الْأَلَمِ فِي الْمَرَضِ سَبَبًا لِجَوَازِ التَّيَمُّمِ.
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: إِذَا أُعِيرَ مِنَّهً الدَّلْوَ وَالرِّشَاءَ، فَهَهُنَا الْأَكْثَرُونَ قَالُوا: لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، لِأَنَّ الْمِنَّةَ فِي هَذِهِ الْإِعَارَةِ قَلِيلَةٌ، وَكَانَ هَذَا الْإِنْسَانُ وَاجِدًا لِلْمَاءِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ التَّيَمُّمِ عَدَمُ وِجْدَانِ الْمَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ كِنَايَةٌ عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَلْحَقُوا بِهِ كُلَّ مَا يَخْرُجُ مِنَ السَّبِيلَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ مُعْتَادًا أَوْ نَادِرًا لِدَلَالَةِ الْأَحَادِيثِ عَلَيْهِ.