الدَّالَّةَ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ وَمُنْكِرُو الْمَعَادِ يُنْكِرُونَ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى صِحَّةِ الْمَعَادِ فَقَوْلُهُ: كَذَّبُوا بِآياتِنا يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَمَعْنَى الِاسْتِكْبَارِ طَلَبُ التَّرَفُّعِ بِالْبَاطِلِ وَهَذَا اللَّفْظُ فِي حَقِّ الْبَشَرِ يَدُلُّ عَلَى الذَّمِّ قَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ فِرْعَوْنَ: وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ القصص: 39 .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو لَا تُفَتَّحُ بِالتَّاءِ خَفِيفَةً وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْيَاءِ خَفِيفَةً وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ مُشَدَّدَةً. أَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالتَّشْدِيدِ فَوَجْهُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ الْأَنْعَامِ: 44 فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ الْقَمَرِ: 11 وَأَمَّا قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ فَوَجْهُهَا أَنَّ الْفِعْلَ مُتَقَدِّمٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي قَوْلِهِ: لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ أَقْوَالٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ لَا تُفَتَّحُ لِأَعْمَالِهِمْ وَلَا لِدُعَائِهِمْ وَلَا لِشَيْءٍ مِمَّا يُرِيدُونَ بِهِ طَاعَةَ اللَّهِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ فَاطِرٍ: 10 وَمِنْ قَوْلِهِ: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ الْمُطَفِّفِينَ: 18 وَقَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: لَا تُفَتَّحُ لِأَرْوَاحِهِمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وتُفَتَّحُ لِأَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا
رُوِيَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: أَنَّ رُوحَ الْمُؤْمِنِ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا فَيُقَالُ مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ وَيُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَيُسْتَفْتَحُ لِرُوحِ الْكَافِرِ فَيُقَالُ لَهَا ارْجِعِي ذَمِيمَةً فَإِنَّهُ لَا تُفْتَحُ لَكِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْجَنَّةَ فِي السَّمَاءِ فَالْمَعْنَى: لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي الصُّعُودِ إِلَى السَّمَاءِ وَلَا تَطَرُّقَ لَهُمْ إِلَيْهَا لِيَدْخُلُوا الْجَنَّةَ.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: لَا تَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الْبِرْكَةُ وَالْخَيْرُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ الْقَمَرِ: 11 وَأَقُولُ هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ إِنَّمَا تَكُونُ سَعِيدَةً إِمَّا بِأَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهَا مِنَ السَّمَاءِ أَنْوَاعُ الْخَيْرَاتِ وَإِمَّا بِأَنْ يصعد اعمال تلك الأرواح الى السموات وذلك يدل على ان السموات. موضع بهجة الأرواح واماكن سعاداتها وَمِنْهَا تَنْزِلُ الْخَيْرَاتُ وَالْبَرَكَاتُ وَإِلَيْهَا تَصْعَدُ الْأَرْوَاحُ حَالَ فَوْزِهَا بِكَمَالِ السَّعَادَاتِ وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ: لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: «الْوُلُوجُ» الدُّخُولُ. وَالْجَمَلُ مَشْهُورٌ وَ «السَّمُّ» بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا ثُقْبُ الْإِبْرَةِ قَرَأَ ابْنُ سِيرِينَ سَمِّ بِالضَّمِّ وَقَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : يُرْوَى سَمِّ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ وَكُلُّ ثُقْبٍ/ فِي الْبَدَنِ لَطِيفٌ فَهُوَ «سَمٌّ» وَجَمْعُهُ سُمُومٌ وَمِنْهُ قِيلَ: السُّمُّ الْقَاتِلُ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ بِلُطْفِهِ فِي مَسَامِّ البدن حتى يصل الى القلب.
والْخِياطِ مَا يُخَاطُ بِهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَيُقَالُ خِيَاطٌ وَمِخْيَطٌ كَمَا يُقَالُ إِزَارٌ وَمِئْزَرٌ وَلِحَافٌ وَمِلْحَفٌ وَقِنَاعٌ وَمِقْنَعٌ وَإِنَّمَا خُصَّ الْجَمَلُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْحَيَوَانَاتِ جِسْمًا عِنْدَ الْعَرَبِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
جِسْمُ الْجِمَالِ وَأَحْلَامُ الْعَصَافِيرِ فَجِسْمُ الْجَمَلِ أَعْظَمُ الْأَجْسَامِ وَثُقْبُ الْإِبْرَةِ أَضْيَقُ الْمَنَافِذِ فَكَانَ وُلُوجُ الْجَمَلِ فِي تِلْكَ الثُّقْبَةِ الضَّيِّقَةِ مُحَالًا فَلَمَّا وَقَفَ اللَّهُ تَعَالَى دُخُولَهُمُ الْجَنَّةَ عَلَى حُصُولِ هَذَا الشَّرْطِ وَكَانَ هَذَا شَرْطًا مُحَالًا وَثَبَتَ فِي الْعُقُولِ