رَسُولِهِ وَلَا الْإِجْمَاعِ وَلَا الْقِيَاسِ وَرَابِعُهَا: أَنَّ الزَّوْجَ قَذَفَهَا وَلَمْ يَأْتِ بِالْمُخْرِجِ مِنْ شَهَادَةِ غَيْرِهِ أَوْ شَهَادَةِ نَفْسِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ النور: 4 وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ وَخَامِسُهَا:
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِخَوْلَةَ: «فَالرَّجْمُ أَهْوَنُ عَلَيْكِ مِنْ غَضَبِ اللَّه»
وَهُوَ نَصٌّ فِي الْبَابِ حُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه، أَمَّا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ فَلِأَنَّهَا مَا فَعَلَتْ سِوَى أَنَّهَا تَرَكَتِ اللِّعَانَ، وَهَذَا التَّرْكُ لَيْسَ بَيِّنَةً على الزنا ولا إقرار مِنْهَا بِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ رَجْمُهَا،
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ» الْحَدِيثَ.
وَإِذَا لَمْ يَجِبِ الرَّجْمُ إِذَا كَانَتْ مُحْصَنَةً لَمْ يَجِبِ الْجَلْدُ فِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ، وَأَيْضًا فَالنُّكُولُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَجُزْ إِثْبَاتُ الْحَدِّ بِهِ كَاللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ لِلزِّنَا وَلِغَيْرِهِ.
المسألة الرَّابِعَةُ: قَالَ الْجُمْهُورُ إِذَا قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ وَجَبَ اللِّعَانُ. وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّه لَا يُلَاعِنُ إِلَّا أَنْ يَقُولَ رَأَيْتُكِ تَزْنِي أَوْ يَنْفِي حَمْلًا لَهَا أَوْ وَلَدًا مِنْهَا، حُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ، وَلِأَنَّهُ لَا تَفَاوُتَ فِي قَذْفِ الْأَجْنَبِيَّةِ بَيْنَ الْكُلِّ فَكَذَا فِي حَقِّ قَذْفِ الزَّوْجَةِ.
الطَّرَفُ الثَّانِي: الْمُلَاعِنُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه مَنْ صَحَّ يَمِينُهُ صَحَّ لِعَانُهُ، فَيَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَ الرَّقِيقَيْنِ وَالذِّمِّيَّيْنِ وَالْمَحْدُودَيْنِ، وَكَذَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا أَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا والمرأة ذمية، وقال أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه لَا يَصِحُّ فِي صُورَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مِمَّنْ لَا يَجِبُ عَلَى/ قَاذِفِهَا الْحَدُّ إِذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا نَحْوَ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مَمْلُوكَةً أَوْ ذِمِّيَّةً وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ الْفَاسِقَ وَالْأَعْمَى مَعَ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ يَصِحُّ لِعَانُهُمَا، وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَلَا مَعْنَى لِلتَّخْصِيصِ وَالْقِيَاسُ أَيْضًا ظَاهِرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْعَارِ عَنِ النَّفْسِ، وَدَفْعُ وَلَدِ الزِّنَا عَنِ النَّفْسِ، وَكَمَا يَحْتَاجُ غَيْرُ الْمَحْدُودِ إِلَيْهِ فَكَذَا الْمَحْدُودُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ وَالثَّانِي: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ لِعَانُ الْفَاسِقِ وَالْأَعْمَى، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَكَذَا الْقَوْلُ فِي غَيْرِهِمَا، وَالْجَامِعُ هُوَ الْحَاجَةُ إِلَى دَفْعِ عَارِ الزِّنَا، ووجه قول أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه النَّصُّ وَالْمَعْنَى، أَمَّا النَّصُّ فَمَا
رَوَى عَبْدُ اللَّه بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «أَرْبَعٌ مِنَ النِّسَاءِ لَيْسَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ مُلَاعَنَةٌ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ وَالْمَمْلُوكَةُ تَحْتَ الْحُرِّ»
أَمَّا الْمَعْنَى فَنَقُولُ أَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلِأَنَّهُ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى قَاذِفِ الزَّوْجَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ الْحَدَّ بِقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ النور: 4 ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ عَنِ الْأَزْوَاجِ وَأُقِيمَ اللِّعَانُ مَقَامَهُ فَلَمَّا كَانَ اللِّعَانُ مَعَ الْأَزْوَاجِ قَائِمًا مَقَامَ الْحَدِّ فِي الْأَجْنَبِيَّاتِ لَمْ يَجِبِ اللِّعَانُ عَلَى مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَوْ قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ، وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَالوجه فِيهِ أَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ فَسَمَّى اللَّه تَعَالَى لِعَانَهُمَا شَهَادَةً كَمَا قَالَ:
وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ الْبَقَرَةِ: 282 وَقَالَ: فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ النِّسَاءِ: 15 الثَّانِي: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ لَاعَنَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَمَرَهُمَا بِاللِّعَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى لَفْظِ الْيَمِينِ، إِذَا ثَبَتَ أَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ وَجَبَ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنَ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً النُّورِ: 4 وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْمَحْدُودِ ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ، إِمَّا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ أو