كقوله (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ «1» غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) ولو خفضت (غَيْرَ ناظِرِينَ) كَانَ صوابًا لأن قبلها (طَعامٍ «2» ) وهو نكرة، فتجعل فعلهم تابعًا للطعام لرجوع ذكر الطعام فِي (إِناهُ) كما تَقُولُ العرب: رأيت زيدًا مع امرأة محسن إليها، ومحسنًا إليها. فمن قَالَ: (محسنًا) جعله من صفة زيد، ومن خفضه فكأنه قَالَ: رأيتُ زيدًا مع التي يُحسن إليها. فإذا صَارت الصلة للنكرة أتبعتها، وإن كَانَ فعلًا لغيرها. وقد قَالَ الأعشى:
فقلتُ لَهُ هَذِه هَاتِهَا
... فجاء بأدماءَ مقتَادِهَا
فجعل المقتاد تابعًا لإعراب الأدماء لأنه بمنزلة قولك: دماء يقتادَها فخفضته لأنه صلة لَهَا.
وقد ينشد بأدماء مقتادِها تخفض الأدماء لإضافتها إلى المقتاد. ومعناهُ: بملء يَدَيْ من اقتادها ومثله فِي العربية أن تَقُولُ: إِذَا دعوت زيدًا فقد استغثت بزيد مستغيثه. فمعنى زيد مدح أي أنه كافى مستغيثه.
ولا يَجوز أن تخفض عَلَى مثل قولك: مررت عَلَى رجل حسَنِ وجهه لأن هَذَا لا يصلح حَتَّى تسقط راجع ذكر الأول فتقول: حسن الوجه. وخطأ أن تَقُولَ: مررت عَلَى امرأة حسنةِ وجهِها وحسنةِ الوجه صواب.
وقوله: (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ) فِي موضع خفض تُتبعه الناظرين كما تَقُولُ: كنت غير قائم ولا قاعدٍ وكقولك للوصي: كُلْ من مال اليتيم بالمعروف غير متأثّل مالًا، ولا وَاقٍ مالكَ بِماله.
ولو جعلت المستأنسين فِي موضع نصب تتوهَّم أن تُتبعه بغير «3» لَمّا أن حُلْت بينهما بكلام. وكذلك كل معنى احتمل وجهين ثُمَّ فرّقت بينهما بكلام جازَ أن يكون الآخر معربًا بخلاف الأول. من ذَلِكَ قولك: ما أنت بِمحسن إلى مَن أحسن إليكَ ولا مُجْمِلًا، تنصب المجمل وتخفضه: الخفض على