" طريقة المؤلف في اختصار كتاب القاضي إسماعيل.
رسم أبو الفضل القشيري الطريقة التي سلكها في الاختصار، وبين المنهج الذي اتبعه، حيث جاء في آخر الكتاب" قال القاضي بكر: هذا آخر كتاب الأحكام، اختصرته من كتاب إسماعيل بن إسحاق ـ رحمه الله ـ وتركت الأسانيد ليقرب على المتعلم، فإن احتيج إلى الأسانيد أخذت من كتاب إسماعيل ـ رحمه الله ـ، وأما الكلام فالكثير منه كلام إسماعيل، وربما اختصرته وزدت فيه، وتكلمت بما حضرني، مما ظننت أن إسماعيل لكثرة شغله أغفله، أو لزيادة زِيْدَت علينا بعده، فاحتجت إلى الانفصال منها، مما رجوت أن يكون تقوية للمذهب، وتصحيحا لما ذهب إليه فيه، إلا ما قلت فيه حدثنا فذلك من سائر الحديث ليس مخرجه إسماعيل ... " (١).
فهذا النص يكشف عن عددٍ من الأمور المتعلقة بمنهج الاختصار، ويلقي الضوء على طريقة القشيري في اختصار كلام القاضي إسماعيل، على النحو الآتي:
أولا: مادة هذا الكتاب.
أن هذا الكتاب أصل مادته من كتاب القاضي إسماعيل، وهذا يقتضي أن يكون القشيري سار على منوال الكتاب الأصل، في اختيار الآيات وعرضها وترتيب ذكرها، وهذا ما يدل عليه المختصر، فقد كان القشيري يذكر أسماء بعض السور ولا يتكلم عنها، ويعلل ذلك بما يفيد أنه تابع الأصل على ذلك، كما وقع في سورة الدخان والجاثية، ذلك أنه لَمّا أنهى كلامه عن سورة الزخرف، قال: "لم يأت في الدخان والجاثية بتفسير " وقال عند سورة الملك والقلم: " ليس في تبارك الذي بيده الملك ونون والقلم شيء" (٢)، وكذا في سورة الشمس، والليل، والتين، والعلق، والبينة، وغيرها.
ومما يدل على ذلك؛ أن القطعة التي بقيت من كتاب القاضي إسماعيل، كان ترتيب الآيات فيها على نحو ما في المختصر، بل حتى ما وقع في المختصر من تأخير لبعض الآيات عن ترتيبها، هو بعينه كان في الأصل (٣).
ثانيا: طبيعة الاختصار فيه.
دل ما ذكره أبو الفضل القشيري على أنه تصرف في كتاب القاضي إسماعيل، باختصار كلامه فيه، لكنه ـ رحمه الله ـ لم يبين ضابط هذه الاختصار، ولا طبيعته، إلا إشارته إلى حذف الأسانيد.
(١) ينظر من هذه الرسالة: ص ٨٥٩.
(٢) ينظر من هذه الرسالة: ص ٧٧٠
(٣) كما وقع في سورة التغابن من تقديم وتأخير لبعض الآيات.