ومما يدل على أنّ تأويلَ الخبر إن صح بما قلناه،، وأنه لم يقصِد ذهابَ
القرآن وتغيير الأمة له وتحريفه وتضييع أحكامه وحدوده، علمنا بأن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -، قد كان يخبرهم بآيات الساعة وأشراطها، وعن الحوادث التي تحدثُ بينهم، والحروب،، ويحذرُ من التسرع فيها ويكررُ عليهم أمثالَ هذه الأقاويل، فلو علم صلى الله عليه أنّ الأمة ستضيعُ القرآنَ وتغيرهُ وتبدله لوجب أن يخبرهم بذلك ويعرفهم أنه من إحداثهم، ومما يخافه عليهم، فلمّا عدل عن هذا إلى إخبارهم بما يَدل على أن القرآن أبداً هاد، وأن التمسّكَ به والرجوع إليه وحمل السّنن والآثار عليه لأنه باقٍ فيهم، وإن خاف عليهم عدم الانتفاع به كما عدمت اليهودُ والنّصارى الانتفاع بكتابهم، فما أغنى عنهم شيئا، دل ذلك على ظهور أمر القرآن أبدا، وقيامِ الحجة به وانقطاع العذر فيه.
وقد روى التاسُ على طبقاتهم، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته على الناس في الحرم في حِجة الوداع، ويوم الجمع الأعظم بعد
أن عرفهم حُرمة الشهر والبلد، وتحريم دمائهم وأموالهم، وأمرهم بأمور
ونهاهم عن أمور: "قد خَلَّفتُ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله
وسُنّتي ".
ولو علم أنّ كتاب الله سيذهبُ ويصيرُ من التغيير والفساد إلى
حال لا تقومُ به الحجة لم يكن للأمر بالرجوع إليه والتمسُّك به وجه، ولكان
يجبُ أن يخبرهُم بأن الكتاب سيذهب، فلا يبقي معهم مَا يرجعُون إليه
ويهتدون به، وكيف يكونُ ذلك كذلك وهو يحذّرهم في هذه الخُطبة من