وكذلك الجوابُ عن قوله: (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ) ، يعني عنذ القيامِ من القبور لشدة الروع، فإذا اختلطوا وامتزجوا وطالَ الوقوفُ تكلَّموا وتساءَلوا وتلاوموا، وإذا دخلوا أيضا جهنم
تلاعَنوا كما أخبر فقال: (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) .
وكذلك الجوابُ عن قوله: (اخْسَئُوا فِيهَا) ، يعني في وقتٍ منها ثم يَنْطِقون بعد ذلك من شدة العذاب فيقولون ربّنا أخرجنا منها، وارجعنا نعمل صالحا، وغير ذلك مما حكاه عنهم تعالى، وقد يمكن أن يكون أراد لا يتكلّمون بعذرٍ ولا يحتجون بحجة، وكذلك لا يتساءلون ولا يَنْطِقون بحجة، ولكن بالتلاوُم والتوبيخ والنّدم والتأسُّف على ما كان منهم.
فأمَّا تعلُقهم بما ادعوه من التناقض في خَلْق آدمَ من قوله: (خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ) ، وقوله في موضع آخر: (مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ) ، وقوله في موضع آخر: (مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) ، وقوله في موضع آخر: (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) ، وفي موضع
آخر: (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) .
وقولُهم إنَّ هذا غاية التناقضِ والتضاد، فليس الأمر على ما ادّعوه.
وذلك أن اللهَ سبحانَه خلقَ آدمَ من تراب أحمرَ وأبيضَ وأسودَ وغيرَ ذلك على
ما وردت به التفاسير، فلذلك اختلفت ألوان ذريته، ثم بُلَّ ذلك الترابُ بماء
فصارَ طينا ثم صار سُلالة يعني لازقا إذا عُصر ينسلُّ من بين الأصابع، ثم
خمّره فأنْتنَ فصار حَمَأ مسنونا فحلق من الحمأة بعد تنقُّل أحوال الطين، فلما
صوَّر جسمَه قبل أن ينفخ فيه الروحَ جفَّ ويبسَ فصار صَلْصالاً كالفخار يابسا إذا ضربَ سمعَ له صلصه، ثم نفخ فيه الروحَ فصار إنسانا.