فأمَّا قولُه: (مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) ، فلم يعن به آدم، وإنما
أرادَ به ذريته أول إنسانٍ خُلق منهم، خُلِقَ من نطفةِ آدمَ وحواءَ ثم كل
أولادهم من نطفةِ إلا عيسى ابنُ مريم.
فأمَّا تعلُّقهم بقوله: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) ، وأنه نقيضَ
قوله: (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) ، لأنهم إذا حلَفوا له أنهم غيرُ
مشركين فقد كَتَموه حديثا، وأيُّ حديث، فإنه لا تعلُّق لهم فيه، لأجل أن اللهَ ضَمِن للموحدين غفرانَ ما دونَ الشرك إن شاء، والتجاوزَ عنهم، والجزاءُ على إيمانهم، فلمَّا رأى المشركون الصفحَ عنهم، وذكروا ضمان الله الغفرانَ لهم قال بعضهم لبعض إذا سألنا حَلَفْنا أنا لم نكن مشركين حتى يتجاوز عنا وذلك قوله: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ) ، فلمَّا اجتمعوا قال لهم تعالى: أين شركائيَ قالوا عند ذلك: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) ، فلمَّا كَتموا الشركَ الذي كانوا عليه في الدنيا ختمَ الله عندَ ذلك على أفواههم وأنطقَ جوارحهم فتشهدُ بالشرك عليهم فيودُّون أن الأرض انشقت بهم، ولم يكتموا الله ما دانوا به من الشرك.
ويمكن أيضا أن يعني بقوله: (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) ، من شدة الهول والجزع، ثم ابتدأ فقال:
(وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) ، لأنه عالمٌ به ولا يَقْدِرون على كتمان ما
هو أعلمُ به منهم، ويمكن أن يكون أراد أنهم يحلفون أنهم ما كانوا عندَ
أنفسهم مشركين بالله أي أننا كنا نظن أننا على الحق، وكنَّا غير متعقدينَ
للشرك، وذلك أن ما حَلَفوا عليه غيرَ نافعِ لهم ولا مقبولٍ منهم، لأنهم كانوا
بصفةِ من يَصحُّ عِلمُهم بباطلهم ويتأتَّى لهم متى أرادوه وقصَدوه.