فأمَّا تعلُّقهم في قوله تعالى في قصةِ موسى: (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) ، فإنه أرادَ المصدقين بأن أحداً لا يراك في الدنيا، لأنّه قال: (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) يعني من سؤاله الرؤية، والقصةُ تشهد بذلك، والتوبةُ ها هنا الرجوعُ عن المسألة فقط، لا على أن ذلك ذنبٌ قبيحٌ تجب التوبة منه، والندمُ عليه الذي هو الإقلاع عن الذنب، وقولُه في قصةِ
السحرة: (أَن كُنَّاَ أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) ، يعني المصدقين بموسى ونبوته، وما جاء به، وقولُه في قصة محمد صلَّى الله عليه: (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) ، يعني أنه أوَّلُ المسلمين من أهل مكة، فلا تناقضَ في ذلك ولا تضاد.
فأمَّا تعلُّقهم بقوله تعالى: (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) .
وأنه نقيضُ قوله: (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) .
فإنّه غيرُ متناقضٍ لأنه عنى - وهو أعلم - أدخِلوا آلَ فرعون أشد العذاب الذي هو عذابُ الدخول من الباب الذي يدخلون منه إلى جهنم، وقوله: (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) يعني بالمسخ لهم خنازير ولم يعذب بذلك في الدنيا أحداً غيرهم، وقوله في المنافقين: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) ، فيمكن أن يكون آلُ فرعونَ والمنافقون
جميعا في أشد العذاب بأن يدخلوا جميعا من بابٍ واحدٍ ويحصلوا في درك
جهنم، فما الذي يمنع من ذلك، وقد يمكن أن يكون الدركُ الأسفلُ فيه مراتبُ وطبقاتٍ من العذاب آلُ فرعونَ في أشده، والمنافقون في قريبٍ منه، وقولُه: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) ، و (غِسْلِينٍ) ، و (شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ) . (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الْأَثِيمِ (٤٤) ،