ولا اختلاف، وقد بينا الكلامَ في الآيتين وجميعَ ما يمكن أن يُقال فيهما في
الكلام في الأصول بما يُغني الناظرَ فيه إن شاء الله.
فأمَّا تعلُّقهم بقوله تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) ، (وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) ، و (سَمِيعًا بَصِيرًا) ، وأنه نقيض قوله: (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، لأن قولَه "كان" موضوع لما مضى وبادَ وانقضى، وقولُه (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ونحوه يقتضي وجودَه في هذا الوقت، وكونَه عالما وعلى هذه الأوصاف، وذلك مختلف متضاد، فإنه لا تعلُّق لهم فيه، لأن لفظة كان
موضوعة لما مضى وسبَق وتقدَّم، وقد يكون ما هذه سبيلُه باقيا وقد يكون
معدوما منقضيا، لأن الجالسَ في مكانِه قد يقول: كنت جالسا من أولِ النهار، وكنت ذاكراً لما تجارَيْناه عندَ لقاء زيد، وهو لا يعني بذلك أنه كان جالسا
وقام ذاكرا ثم نسيَ وذهبَ ذكره، وإنَّما يعني تقدم جلوسِه وذكْره، وكذلك
لو قال كانت الشمسُ منذُ أولِ الدهر، وكانت السماء يومَ ابتدىءَ العالَم.
ونحو هذا لم يُوجَب بذلك اللفظ تَقضيهما، وعَدمِهما بعد الكون السابق.
وإنما يوجِب بذلك سَبْقَهما وتقادمَ وجودِهما ونفيَ حدوثهما في هذا الوقت.
وكذلك قوله: (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) ، و (قَوِيًّا عَزِيزًا) ، و (سَمِيعًا بَصِيرًا) ، أنه لم يزل على هذه الأوصاف وأنّه لم يستحدثها ولم يتجدد له
وليس يوجِب ذلك عدَمه بعد تقدمه وخروجِه عن هذه الصفات بعد ثبوتها.
وإذا كان ذلك كذلك بطل ما توهموه.
وقد يقال كان زيد موجوداً، وكان مرضُه شديداً، وكان مالُه كثيراً ويعني
بذلك أنه كان وعُدم وتُقضى بلفظة "كان " التي تفيد التقدمَ وسبقَ ما جَرى في وصفه، ثم قد تقدم الدليلُ على عدمه، وقد لا يكون معدوماً.