امتدحَ بنفي إلهٍ معه كما امتدحَ بنفي خالقٍ وغيره معه على كل وجه، فلذلك
قال: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) ، ولو كانوا يخلقون أجناسا وأعيانا من الأعراض لقالوا هذه الأشياءُ كلها من خَلْق الله وهذه كلها كخَلْق اللهِ ومثله، فوجبَ أن يكون كل ما قدموه من نفي خالق غير الله على النفي والمدح على الحقيقة.
فأما قوله: ((وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا) ، فإنما يعني به أنكم
تختلقون كذبا، لأن الخلقَ يكون بمعنى الاختلاقِ الذي هو الكذب، ومنه
قولهم: حديث مخلوق يعنون مختلق متكذب وقوله: (إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) ، إنما هو حكاية عن قول الكفار في القرآن، وإنَّما عنوا به أنّه من كَذب الأولين، وقوله: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) ، إنما يعني به - وهو أعلم - أحسنُ المصورين تصويراً وأحسنُ المقدِّرين تقديراً، لأن الخَلْق يكون بمعنى التصوير والتقدير، وكذلك التأويلُ في قوله:
(وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) يعني تُصوِّر وتُقدِّر، والتصويرُ
والتقديرُ قد يُوصَفُ به الخَلْقُ كما يُوصَفُ به الخالق، وليس التقديرُ والتصويرُ
من الإبداعِ والإنشاءِ في شيء، فإنّما نفى خالقاً غيره مبدعا منشئاً، ولم يَنْفِ
مصوِّراً ومقدِّراً غيره، وليس معنى المصوِّر أنه خلقَ الصورة والتصوير، ولا
معنى المقدِّر أنه خَلَق الفِكْر والتقدير، وإنما معناه أنّ له تقديراً وتصويراً.
وهل هو خالق لما هو له من ذلك أو غير خالقٍ له، معتبرٌ بالدليل.
قال الحجاج:
أني لا أهِمُّ إلا أمضيتُ ... ولا أخلقُ إلا فَرَيتُ
يعنىٍ: أقدِرُ إلا أمضيتُ، وهذا التقدير فكر وروية وطلب للعلم بصوابِ
العاقبة، وهذا غير جائزٍ على الله سبحانه.