قولَه: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) بما يدل على أنّهم مذمومون بصلاةٍ فعلوها على
غير وجه ما أُمِروا بها، لأنه قال بعد ذلك: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (٧) .
فكأنَّه ذمهم على الصلاة المفعولة في غير وقتها، وذمّهم بالسهو عن أدائِها في وقتها، إما بالتغافُلِ عن ذلك أو بالاشتغال عنها بالتجارة واللهو وغير ذلك، ومؤخر الصلاة عن أوقاتها عاصٍ مذموم.
وقوله: (الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ) يمكن أيضا أن يكون ذماً للمصلين للرياء
والنفاق لا لله تعالى، والمصلي على هذا الوجه منافقٌ مذموم، ويمكن أن
يكون أراد بقوله: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) لغير الله تعالى من الجن والنيران أو
الشمس أو الملائكة أو الكواكب الذين هم عن الصلاة لله سبحانه ساهون
تاركون لها، وقوله: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) أي: يمنعون أداء الزكوات
وحقوق الأموال، فأيُّ تناقضٍ في ذلك، لولا الجهلُ والعناد، وقوله: (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) إنما هو إخبارٌ من الكفار عندَ سؤال الخزنة لهم: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) فقالوا: (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) .
فقالوا: إنما عُوقبنا على هذا أجمع، وذلك أحدُ الأدلة على أن الكفار مخاطبون بالشرائع والأحكام بشريطة تقديم فعلِ التوحيدِ والإيمان بالله ثم تعقيبُه بالصلاة وما يترتبُ بعدها من العبادات، ولو لم يكونوا بالصلاة مأمورين لم يكونوا على تركها معاقبين، وقد تكلمنا على ذلك وعلى ما يمكن أن يتعلق به في هذا التأويل في أصول الفقه بما يُقْنع من تأمله إن شاء الله، فمن ظن أن ذلك نقيضَ قوله: (أَقِمِ الصَّلَاةَ) ، وكان يأمر أهله بالصلاة، وأمُر أهلك بالصلاة، فقد أبعدَ وضلَّ ضلالاً بعيداً، والناسُ أبداً يقولون ويلٌ للمصلين لغير وجه الله تعالى