للعموم الذي هو استغراقُ جنس ما وقعَ عليه الاسم، لما قد ييّناه في الفقه
وغيره من الكلام في التوكيد.
والوجه الآخر: أنه أراد بقوله: (يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) أنه يغفرها بالتوبة
منها والندم عليها والعزم على تركِ معاودةِ أمثالها، وقد دخل في ذلك الكفرُ
والشركُ وما دونهما وتولى تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) ، يعني أنّه يغفرُ ما دونَ الشرك بغير توبةٍ تفضلاً منه، ولا يغفرُ الشركَ بغير توبة، ولا يتفضلُ على المشرك بذلك فخالفَ بين المشرك
والموحد في هذا الباب، وهذا أيضا ينفي ما ظنوه من التناقض والاختلاف.
والوجه الآخر: آنه أرادَ على قول قومٍ أنه يغفر الذنوب جميعاً التي هى
صغائرُ إذا وقعت مجانبةً للكبائر، فلذلك قال، (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) ، فهذه الآية عندهم مفسرة لذلك
ومثبتة لمعناها، وإذا كان ذلك كذلك سقطَ ما توهموه.
وأمَّا قوله تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) ، وقولُهم إن هذا تناقص، لأنه لا يجوز أن يأتي على ما هو
إنسان حين لا يكون فيه شيئا وهو مع ذلك إنسان، فإنه ياطل لأنه أرادَ - وهو أعلم - أحدُ معنيين:
أحدهما: أنه أتى عليه وهو معدوم حين لم يكن فيه إنسانا ولا شيئاً بل
كان عدما متلاشيا، وقولُه، (عَلَى الْإِنْسَانِ) إنما يعني: هل أتى على الإنسان
أي على مَنْ صارَ إنسانا بعد أن لم يكن شيئا ولا إنسانا.
والوجهُ الآخر: أنه أرأدَ ذلك أنه قد أتى على آدم عليه السلام حين وهو
مصوَّرٌ من طين، لم يكن شيئا حياً عاقلاً مذكعوراً بالحياة والتمييز والتحصيل