عيسى ابنَ مريمَ النطقَ وهو صبي ساعة ولدِ، وأعطى يحيى بنَ زكريا الحُكمَ
صبيا، وإذا كان ذلك كذلك بطلَ ما اعترضوا به.
وقد قال قوم من مدعي الأمَّة إنه ليس معنى الآيةِ ما طعنَ به الملحدون
ولا صحَّ الحديثُ باستخراجِ الذرية، بل ظاهرُ الآيةِ يوجبُ أخذَ الإقرارِ من
بني آدمَ في كل حين يبلغونَ فيه حدَّ التكليف، لأنّه قال: َ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) ، ولم يقل من آدمَ وقالَ من ظهورهم، ولم يقلْ من ظهره، وقال ذريّاتهم ولم يقل ذريَته، قالوا: فهذا يوجبُ أن يكونَ
الإقرارُ مأخوذاً على ذرية آدمَ في كل حينٍ (حيْنَ) بلوغهم حدَّ التكليف.
قالوا: وكذلك قال: (أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ) ، ولم يقل أبونا، وكنّا ذرية من بعدهم، يقول: إنني لو أمتُّهم أطفالاً لقالوا:
إنّما أشرك آباؤُنا وكنا نحن أطفالاً لم نبلغ حدَّ التكليف وتلقِّي الدعوة، فأراد
اللهُ تعالى الإخبارَ بأنه بلَّغهم حدَّ من أشرك من آبائهم قبلَ شركهم، وإذا كان ذلك كذلك فقد زالَ طعْنُ الملحدين عن أصحاب هذا الجواب.
والجوابُ الأولُ هو الحق لأنّ اللهَ تعالى قد أخبرَ عن الذُريةِ أنها أقرَّت
بالربوبية، وقالت بلى، ونحن نعلمُ أن كثيراً من بني آدمَ المكلفين لم يقولوا
عند التكليف: بلى أنت ربنا، ولا أقرُّوا بذلك، وأنهم ماتوا وهم كفَّارٌ
جاحدون مكذبون فبطل الجوابُ الثاني.
فإن قالوا: لم يُردْ بقوله: (قَالُوا بَلَى) ، القولَ المسموعَ وكذلك قولُه:
(أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) ، ليس هو من القول المسموع وإنَّما أرادَ أنه ألزمَهم آثارَ
الصنعةِ والحدوثِ والالتجاء إلى صانعٍ صَنَعهم فعبَّر عن ذلك بقوله: