اللهَ عزَّ وجل ضربَ هذا المثلَ للكافر الذي إن وعُظَ وزجِرَ نفرَ وكفر، وإن
تُركَ أو رُفق به استكبر وكفرَ فهو مع العظة والتذكرة ضالّ مُعرض، ومع
الترك ضال معرض، وكذلك الكلبُ حالُه تخالفُ سائرَ الحيوان لأن كلَّ ما
يلهثُ من الحيوان فإنما يلهثُ لمرضِ وتعبِ وكلالِ وعارضِ يزولُ اللهثُ
بزواله، والكلبُ يلهث في جميع حالته في صحته ومرضه وراحته وكلاله
وريه وعطشه، فلا مثالَ لمن ذكرَ الله حالَه من الكفار من جميع الحيوان إلا
الكلب، وإذا كان ذلك كذلك سقط ما قالوه.
قالوا: ومن هذا أيضا قولُه تعالى: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨) .
قالوا: فكيف أمرَه بأن يقول: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) ، وهو يملكُ تصرُفَهُ وجميعَ أفعاله، ويتصرَّفُ فيها بإرادته وما معنى قولُه: (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) ، وقد استكثر من الخير من لا يعلمُ الغيب.
يقالُ لهم: ليس الأمر على ما توهمتم لأن النبى عليه السلام وغيره لا
يملكُ لنفسه نفعا ولا ضرًّا، وإنما مالكُ نفعِه وضرِّه الله عز وجل الخالقُ لعين
النفع والضرِّ القادرُ على إيجادهما، والخلقُ لا يَقْدرون على ذلك ولا
يتصرفون فيما يريدون أو يكرهون إلا بأن يشاء اللهُ تصرُّفهم.
وفي هذه الآية دلالة بينة واضحة على أنَّ اللهَ خالقُ أفعالِ عباده وما
يضرُّهم منها وما ينفعهم، فإنه مالك لها وقادر عليها وموجه لها إذا وُجدت.
وهي مقدورة له، لأن مالكَ الشيء والقادرَ عليه فاعل له إذا وجَدَ مقدورَه
ومملوكَه، وليس يكون فاعلاَ لمقدورِه إلا لوجوده فقط.