حينَ حَميَ الوطيسُ في ذلك اليوم قبضَ قبضةً من ترابِ وحثاه في وجوه
المشركين وقال: "شاهت الوجوه" فانهزمَ القومُ بإذن الله، ولم يقدِرْ النبي عليه
السلام أن يبلغَ رميته تلك ما بلغَ، وإن القومَ ينهزمونَ ونظيرُ هذا قولُ الرجلِ لغيره: ما أنت عمِلتَ ما عملتَ، ولا أنت كلمتني ولقيتني بهذا، وإنما فلان فعلَه بي، وأنا فعلتُه بنفسي إذا كان قد أرشدَ إلى ذلك ومكن منه وأعانَ عليه، ومهَّدَ أسبابَه لماذا كان ذلك كذلك سقطَ ما توهموه سقوطا بينا ظاهراَ.
قالوا: وممّا وردَ في القرآن من الإحالة قولُه: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) .
قال الملحدون: وفي هذه الآية إحالة من وجوه.
أحدها: قولُه أنه خلقَ كل دابة من ماء، وليس الأمرُ كذلك لأن منها ما
خُلِقَ من البيضِ والترابِ دونَ النطفِ والماء الدافق، فبطلَ أن تكونَ كل دابة
من ماء.
ومنها حصرُه مشيَ جميعها على بطنِها أو على رجلين أو على أربع، وليس
الأمرُ كذلك، لأن فيها كثيراَ يمشي على أكثر من أربع كالعنكبوت وكرخان
الأذن والسرطان وغير ذلك فلا وجه لحصره المشيَ على قدْرِ ما ذكره.
ومنها أنه لا فائدةَ في ذكر هذا وإعلامِنا إيَّاه لأننا قد علمنا أن الدواب
تمشي كذلك، وأي فائدةِ في ذكره إلا الحشوُ به والتشاغلُ بما لا معنى له.
قالوا على أنه قال فمنهم، وهذا كناية عن العقلاء، وقولُه: كل دابة يدخلُ
فيها ما يعقلُ وما لايعقل؟.
يقالُ لهم: جميعُ ما ذكرتم لا يوجبُ القدحَ في القرآن.
فأمَّا قولَه: (كُلَّ دَابَّةٍ) ، فإن لفظة كل ليست موضوعة للاستغراق والعموم بل هي معرضة للعموم والخصوص، وكذلك جميع وسائرُ وأيُّ ومَن، وكل لفظِ يَدَّعي