القائلون بالعموم أنه موضوع هو محتمل للعموم والخصوص، وقد بينا ذلك
في أصول الفقه وغيره بما يُغني الناظرَ فيه، فبطلَ تعلّقُهم بالعمومِ ولو ثبتَ
أيضا لجازَ تخصيصه بدليلِ فإذا علمنا أن منه ما لم يُخلق من ماء قُلنا أرادَ
بقوله كل دابة ذكرها، وكل ما يمشي على بطنه أو على رجلين أو على أربع
دونَ ما عدا ذلك، على أنَّه لم يقلْ من ماءٍ دافق، وإنما قال من ماء، وكل
دابةٍ مخلوقةٍ مما فيه صُورٌ من البِلَّةِ والرُّطوبة، فإن الأصولَ عند كثيرٍ منهم
الماءُ والأرضُ والهواءُ والنارُ هذه هي أصولُ الأشياء التي منها تنمو، أو إليها
تنحل وتفسدُ فكل دابةٍ مركبة من أصلٍ فيه بلَّة ورطوبة وجزء من المائية
فبطلَ ما قالوه.
فأمَّا قولُهم فمنهم فإنْ ابتدأ فقال كل دابةٍ وهو لفظ يصلُحُ تناولُه للناس
وغيرهم، ويجبُ عند قومٍ تناولُه لذلك، ثم فصَّلَ وذكرَ الناس منهم فقال
منهم: فكنى عنهم كناية العقلاء وقال على بطنه يريدُ الحيّةَ وما يجري مجراها، والعربُ تقول: لا يكون المشيُ إلا لما له قوائم يمشي بها المعتمدُ عليها.
ولكنها مع ذلك إذا خلَطَت ما لا يمشي مع الماشي وُصِفَ الجميعُ بأنه يمشي
كما يقول: أكلتُ خبزاً ولبناً، والخبزُ هو الذي يُقال أنه يؤكلُ واللبنُ يُشربُ فيقولون أكلتَ خبزاً ولبنا لجمعهم لهما في الذكر، ولا يقولون: أكلتُ لبنا فكذلك يقولون: الحيَّةُ والإنسانُ يمشيان ولا يقولون الحيَّةُ تمشي وكذلك العربُ تُعبِّرُ عمّا لا يَعقلُ إذا ذكِرَ مع العاقلِ في اللفظ الموضوعِ لما يَعقل فيقولون: الرجلُ وإبِلُه مُقْبلون، ولا يقولون ذلك في الإبل وحدها، ويقولون في الإنسان وغيره هذان مُقْبلان، وهذان الشخصان مُقْبلان، ولا يقولون ذلك في اثنين لا عاقَل فيهما، وإذا كان ذلك كذلك بطل ما قالوه.