وذكَر أنهما معاً مِن بيت بشار من الطويل:
خُلِقتُ على ما فيَّ غيرَ مُخَيَّرٍ
... هوايَ ولو خُيِّرْتُ كنتُ المهذَّبا
والأمرُ في تناسب هذه الثلاثةِ ظاهرٌ. ثم إنه ذكَرَ أنَّ أبا تمام قد تناولَه فأخفاه وقال من الوافر:
فلو صوَّرْتَ نفسَك لم تَزِدْها
... على ما فيكَ من كَرمِ الطِّباعِ
ومن العجَب في ذلك ما تراه إذا أنتَ تأملْتَ قولَ أبي العتاهية من الكامل:
جُزِيَ البخيلُ عليَّ صالِحةً
... عنِّي لِخفَّتهِ على ظَهْري
أعلى وأَكْرمَ عن يديه يدي
... فَعلَتْ ونزَّه قدْرُه قدْري
وُرزِقتُ مِن جَدْواهُ عافيةً
... أنْ لا يَضيقَ بشكْرهِ صَدْري
وغَنِيتُ خِلْواً من تَفضُّلِهِ
... أحْنُو عليه بأحْسَنِ العُذْرِ
ما فاتَني خيرُ امرىءٍ وَضَعتْ
... عني يَداهُ مؤونةَ الشكْرِ
ثم نظرتَ إلى قولِ الذي يقولُ من المنسرح:
أعتقَني سوءُ ما صنعْتَ من الرِّ
... (م) قِّ فيابَرْدَها على كَبدي
فصِرتُ عبْداً للسوء فيكِ وما
... أَحْسَنَ سُوءٌ قَبْلي إلى أَحَدِ
ومما هو في غاية النُّدرة من هذا الباب، ما صنَعه الجاحظُ بقول نصَيبٍ من الطويل:
ولو سكتوا أثنتْ عليكَ الحقائبُ
حين نثرَه فقال وكتبَ به إلى ابن الزيات: نحنُ، أَعزك اللهُ، نَسْحَرُ بالبيان، ونُموِّه بالقول، والناسُ ينظرون إلى الحال، ويقْضُونَ بالعِيان، فأَثِّرْ في أَمرنا أَثراً ينطِقُ إذا سكَتْنا، فإنَّ المدَّعي بغير بيِّنةٍ متعرِّض للتكذيب.
وصف الشعر والإدلال به
وهذه جملة منْ وَصْفهم الشعرَ وعملِه وإدلالهِمْ بهِ.
أبو حيَّة النّمَيْري من الكامل:
إنَّ القصائدَ قد عَلِمْنَ بأنني
... صنَعُ اللسانِ بهن لا أَتَنحَّلُ
وإذا ابتدأتُ عروضَ نسج ريِّضٍ
... جعلَتْ تَذِلُّ لِمَا أُريد وتَسْهُلُ
حتى تُطاوِعَني ولو يَرْتاضُها
... غَيْري لحاوَلَ صَعْبةً لا تُقْبَلُ
تميم بن مقبل من الطويل:
إذا مُتُّ عن ذكْر القوافي فلن ترى
... لها قائلاً بَعْدي أَطبَّ وأشْعَرا
وأكثرَ بيتاً سائراً ضُرِبَتْ له
... حُزونُ جبالِ الشعرِ حتى تَيَسَّرا
أغرَّ غريباً يَمْسَحُ الناسُ وجْهَهُ
... كما تَمْسَحُ الأيدي الأَغَرَّ المُشَهَّرا
عدي بن الرِّقاع من الكامل: