فقلتُ: لمَ ترَكَ الأستاذُ هذا البيتَ؟ فقال: لعلَّ القلمَ تجاوَزَهُ! (قال) ثم رآني من بَعْدُ، فاعتذر بعُذرٍ كان شَرّاً مِنْ تَرْكه. قال: (إنما تركْتُه لأنه أعادَ "السيفَ" أربعَ مرّاتٍ). قال الصاحِبُ "لَوْ لم يُعِدْه أربعَ مرات، فقال:
بجهلٍ كجهل السيف وهو مُنْتَضى وحِلْمِ كحِلم السيفِ وهو مغمدُ.
لفسَدَ البيْتُ".
والأمرُ - كما قال الصاحبُ والسببُ في ذلك - أنك إذا حدَّثْتَ عن اسم مُضافٍ ثم أردْتَ أن تَذْكُر المضافَ إليهِ، فإن البلاغَة تقتضي أن تذكُرَه باسمِه الظاهرِ وَلا تُضْمِرَهُ. وتفسيرُ هذا أنَّ الذي هوَ الحسَنُ الجميل أن تقول: (جاءني غلامُ زيدٍ وزيدٌ) ويقبُحُ أن تقول: (جاءني غلامُ زيدٍ وهُو) ومن الشاهِد في ذلك، قولُ دِعْبِل من البسيط:
أضيافُ عِمران في خِصْبٍ وفي سَعةٍ
... وفي حِبَاءِ وخَيرٍ غيرِ ممنوعِ
وضيفُ عمرٍو وعمرٌو يَسْهرانِ معاً
... عمرو لبِطْنَتِه والضيفُ للجُوعِ
وقولُ الآخر من الطويل:
وإنْ طُرَّةٌ راقَتْكَ فانْظُرْ فرُبَّما
... أَمَرَّ مذاقُ العُودِ والعُودُ أَخْضَرُ
وقولُ المتنبي من الطويل:
بِمَنْ نَضْرِبُ الأمثالَ أم مَنْ نَقِيسُهُ
... إليكَ وأهْلُ الدهرِ دونكَ والدهرُ؟