فإنما أراد بالكتاب هاهنا ما تقدّم من كتب الله دون القرآن، ألا ترى أنّه جعل القرآن مصدّقا له، وقوله: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا الأنعام/ 114 فمنهم من قال: هو القرآن، ومنهم من قال: هو القرآن وغيره من الحجج والعلم والعقل «1» ، وكذلك قوله: فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ العنكبوت/ 47 ، وقوله: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ النمل/ 40 فقد قيل: أريد به علم الكتاب، وقيل: علم من العلوم التي آتاها الله سليمان في كتابه المخصوص به، وبه سخّر له كلّ شيء، وقوله: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ
آل عمران/ 119 أي: بِالْكُتُبِ المنزّلة، فوضع ذلك موضع الجمع، إمّا لكونه جنسا كقولك: كثر الدّرهم في أيدي الناس، أو لكونه في الأصل مصدرا نحو: عدل، وذلك كقوله:
يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ البقرة/ 4 وقيل: يعني أنّهم ليسوا كمن قيل فيهم: وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ النساء/ 150 . وكِتابَةُ العَبْدِ: ابتياع نفسه من سيّده بما يؤدّيه من كسبه، قال: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ
النور/ 33 واشتقاقها يصحّ أن يكون من الكتابة التي هي الإيجاب، وأن يكون من الكتب الذي هو النّظم والإنسان يفعل ذلك.
كتمالْكِتْمَانُ: ستر الحديث، يقال: كَتَمْتُهُ كَتْماً وكِتْمَاناً. قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ
البقرة/ 140 ، وقال:
وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
البقرة/ 146 ، وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ
البقرة/ 283 ، وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ آل عمران/ 71 ، وقوله: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ النساء/ 37 فَكِتْمَانُ الفضل: هو كفران النّعمة، ولذلك قال بعده:
وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً النساء/ 37 ، وقوله: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً النساء/ 42 قال ابن عباس: إنّ المشركين إذا رأوا أهل القيامة لا يدخل الجنّة إلّا من لم يكن مشركا قالوا: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ الأنعام/ 23 فتشهد عليهم جوارحهم، فحينئذ يودّون أن لم يكتموا الله حديثا «2» . وقال الحسن: في الآخرة مواقف في بعضها يكتمون، وفي بعضها لا يكتمون، وعن بعضهم: