إلى أن يبلغ قيمته، فإذا بلغ قيمته فلا وثيقة في الزيادة.
فإذا قال الراهن: رهنت بخمسين، والمرتهن يدعي مائة، وقيمة الشيء مائة فصاعدا، كان الرهن شاهدا له، وإذا كان دون ذلك الذي ادعاه صار في الفضل على قدر قيمة الرهن مدعيا وعليه البينة؟
والجواب عنه: أن الرهن لا يدل على أن قيمته يجب أن تكون مقدار الدين، فإنه ربما رهن الشيء بالقليل والكثير، نعم لا ينقص الرهن غالبا عن مقدار الدين، فأما أن يطابقه فلا، وهذا القائل يقول: يصدق المرتهن مع اليمين في مقدار الدين، إلى أن يساوي قيمة الرهن، وليس العرف على ذلك، فربما نقص الدين عن الرهن وهو الغالب، فلا حاصل لقولهم هذا بوجه ما.
قوله تعالى: (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ إلى قوله: فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ، يدل على أنه لما عزم على أنه لا يؤديها، وترك أداءها باللسان، رجع لمأثم إلى الوجهين جميعا، فقوله: آثِمٌ قَلْبُهُ، مجاز هو آكد من الحقيقة في الدلالة على الوعيد، وهو من بديع البيان ولطيف الإعراب عن المعاني.
واعلم بعد ذلك أن الذي أمر الله تعالى به، من الشهادة والكتاب لمراعاة صلاح ذات البين، ونفي التنازع المؤدي إلى فساد ذات البين.
لئلا يسول له الشيطان الجحود بالباطل، وتجاوز ما حدته الشريعة له، أو ترك الاقتصار على المقدار المستحق، ولأجله حرم الشارع البياعات المجهولة التي تؤدي إلى الاختلاف وفساد ذات البين، وإيقاع التضاغن والتباين، ومثله ما حرمه الله تعالى من الميسر والقمار وشرب الخمر بقوله:
إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ.. «1» الآية