أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَارِيَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، لَيْسَ عَلَيْهِ حَجْرٌ، وَلَا لِعَمَلِهِ عِلَّةٌ؛ بَلْ كُلُّ ذَلِكَ بِحِكْمَةٍ، وَقَدْ يَظْهَرُ لِلْخَلْقِ وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِيهِ، وَقَدْ يَخْفَى.
الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ النَّفْسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى اقْتِضَاءِ الشَّهَوَاتِ، فَلَمَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ تَكَالِيفُ الْمُحَرَّمَاتِ جَعَلَ بَعْضَهَا أَغْلَظَ مِنْ بَعْضٍ، لِيُعْتَادَ بِكَفِّهَا عَنْ الْأَخَفِّ، الْكَفُّ عَنْ الْأَغْلَظِ، وَيَجْعَلُ بَعْضَ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ أَعْظَمَ حُرْمَةً مِنْ بَعْضٍ؛ لِيُعْتَادَ فِي الْخَفِيفِ الِامْتِثَالُ، فَيَسْهُلَ عَلَيْهِ فِي الْغَلِيظِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَة أَوَّل الْأَشْهُرِ الْحُرُمِالْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوَّلُهَا الْمُحَرَّمُ وَآخِرُهَا ذُو الْحِجَّةِ، لِأَنَّهُ عَلَى تَقْرِيرِ شُهُورِ الْعَامِ، الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ.
الثَّانِي: أَنَّ أَوَّلَهَا رَجَبٌ، وَآخِرُهَا الْمُحَرَّمُ مَعْدُودَةً مِنْ عَامَيْنِ؛ لِأَنَّ رَجَبًا لَهُ فَضْلُ الْإِفْرَادِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ أَوَّلَهَا ذُو الْقَعْدَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ التَّوَالِيَ دُونَ التَّقْطِيعِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَعْدَادِهَا: «ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ؛ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ». وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ الصَّحِيحِ.
الْآيَة التَّاسِعَة عَشْرَة قَوْله تَعَالَى وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةًً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} التوبة: 36.
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ: