وَيَنْتَهِي بِالتَّفْصِيلِ إلَى سِتَّةَ عَشْرَ حُكْمًا تَفْسِيرُهَا فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ.
مَسْأَلَةٌ قَوْله تَعَالَى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِالْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} البقرة: 222: مَعْنَاهُ افْعَلُوا الْعَزْلَ أَيْ اكْتَسَبُوهُ، وَهُوَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمُجْتَمِعَيْنِ عَارِضًا لَا أَصْلًا.
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَوْرِدِ الْعَزْلِ وَمُتَعَلِّقِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: جَمِيعُ بَدَنِهَا. فَلَا يُبَاشِرُهُ بِشَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةُ فِي قَوْلٍ، وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ.
الثَّالِثُ: الْفَرْجُ؛ قَالَتْهُ حَفْصَةُ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْبَغُ.
الرَّابِعُ: الدُّبُرُ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مَعْنَاهُ.
فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ جَمِيعُ بَدَنِهَا فَتَعَلَّقَ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {النِّسَاءَ} البقرة: 222؛ وَهَذَا عَامُّ فِيهِنَّ فِي جَمِيعِ أَبْدَانِهِنَّ، وَالْمَرْوِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْطَجِعُ مَعِي وَأَنَا حَائِضٌ وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ ثَوْبٌ».
وَقَالَتْ أَيْضًا: «كَانَتْ إحْدَانَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا، أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَأْتَزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرَهَا».
قَالَتْ: «وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْلِكُ إرْبَهُ»؟ وَهَذَا يَقْتَضِي خُصُوصَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذِهِ الْحَالَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ «بَدْرَةَ مَوْلَاةِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتْ: بَعَثَتْنِي مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَحَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ إلَى امْرَأَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ مِنْ جِهَةِ النِّسَاءِ. فَوَجَدَتْ فِرَاشَهُ مُعْتَزِلًا فِرَاشَهَا، فَظَنَنْت أَنَّ ذَلِكَ عَنْ الْهُجْرَانِ، فَسَأَلْتهَا فَقَالَتْ: إذَا طَمَثْت اعْتَزَلَ فِرَاشِي؛ فَرَجَعْت فَأَخْبَرْتُهَا بِذَلِكَ فَرَدَّتْنِي إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَتْ: تَقُولُ لَك أُمُّك: أَرَغِبْت عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُ مَعَ الْمَرْأَةِ