أي: أخص هؤلاء؛ لأنه إذا مَنَّ عليهم بالشيء فقد خصهم به.
وقوله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} الاستفهام هنا معناه التقرير، أي: هو كذلك.
فإن قلت: ما الفرق بين الباءين؟ وبأي شيء يَتعلقان؟ قلت:
أما الأول: فمزيد للتأكيد متعلق بما دل عليه التقرير، بمعنى: أليس تعلمون بأن الله أعلمُ بمن يَصدر منه ذلك؟
وأما الثاني: فللتعدية؛ لأنَّ أفعل لا يقوى قوة الفعل، فَيُعَدَّى بالجار مُتَعَلِّقٌ بأعلم. فإن قلت: (أعلم) ليس بفعل ولا مصدر كيف يتعلق به الجار؟ قلت: قد جوز ذلك؛ لأنَّ الجار يسمى ظرفًا، والظروف يعمل فيها معنى الفعل بخلاف المفعول، فإن أفعل لا يعمل فيه (1). ولذلك قالوا في قوله جل ذكره {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ} (2) إن التقدير: هو أَعْلَمُ يَعْلَمُ مَن يضل عن سبيله، فنُصب (مَن) بفعل مضمر يدل عليه الحال.
وأما الظروف فتكفيها رائحة الفعل، ولذلك أجازوا: كلّ يوم لك ثوب، ولم يجيزوا: قائمًا في الدار زيدٌ، فاعرفه.
{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)}:
قوله عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ} العامل في (إذا) معنى الجواب، أي: إذا جاؤوك سَلِّمْ عليهم، وفيه وجهان:
أحدهما: أَمْرٌ له عليه الصلاة والسلام بأن يسلم عليهم من الله تعالى.