والثاني: أَمْرٌ بأن يبدأهم بالسلام إكرامًا لهم وتطييبًا لقلوبهم، وهم الذين سأل المشركون طردهم.
و{سَلَامٌ} مبتدأ و {عَلَيْكُمْ} الخبر، وجاز الابتداء بالنكرة لأنَّ فيه معنى الفعل.
وقوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} كما محلها النصب؛ لأنَّها من جملة ما يقول لهم أيضًا لِيَسُرَّهم ويبشرهم بسَعة رحمة الله، وقبوله التوبة منهم. ومعنى {كَتَبَ}: أوجب، وقد ذكر (1).
وقوله: {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (مَن) شرطية في موضع رفع بالابتداء، والخبر فعل الشرط أو الجواب، وتحتمل أن تكون موصولة وهي مبتدأ أيضًا، ويأتي الكلام على خبرها إن شاء الله.
و{مِنْكُمْ} في موضع الحال من المستكن في {عَمِلَ}، وكذلك {بِجَهَالَةٍ} حال أيضًا، أي: عمله وهو جاهل. ويحتمل أن يكون متعلقًا بـ (عمل)، أي: عمله بسبب الجهل، وذكر فيه وجهان من جهة المعنى:
أحدهما: أنه فاعلٌ فِعْلَ الجهَلَةِ؛ لأنَّ من عمل ما يؤدي إلى الضرر في العاقبة وهو عالم بذلك أو ظانٌّ، فهو من أهل السَّفَهِ والجهل. ومنه قول الشاعر:
199 - على أَنَّها قالتْ عَشِيَّةَ زُرْتُها
... جَهِلْتَ عَلَى عَمْدٍ ولم تَكُ جاهِلًا (2)
والثاني: أنه جاهل بما يتعلق به من المكروه والمضرة، ومن حق الحكيم ألّا يُقدم على شيء حتى يعلم حاله وكيفيته (3).