واللام الثانية لام الابتداء؛ لأنها داخلة على الاسم، فأما {إِذًا} فتوكيد وهي ملغاة من العمل، ولكونها ملغاة وقعت بين الاسمين.
{الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ}:
قوله - عز وجل -: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا} رفع بالابتداء، وخبره {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا}. وكذلك {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ} ابتداء وخبر.
قيل: وفي هذا الابتداء معنى الاختصاص، كأنه قيل: الذين كذبوا شعيبًا هم المخصوصون بأن أهلكوا واستؤصلوا، كأن لم يقيموا في دارهم؛ لأنَّ الذين اتبعوا شعيبًا قد أنجاهم الله (1).
يقال: غَنِي بالمكان يغنَى بكسر العين في الماضي وفتحها في الغابر غِنًى وغُنْيةً، إذا أقام به.
وإعادة {الَّذِينَ} في قوله: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا} لتعظيم الأمر وتفخيمه مع ما فيه من معنى الاختصاص، كأنه قيل: هم المخصوصون بالخسران العظيم دون أَتْباعه فإنهم الرابحون.
ولك أن تنصب {الَّذِينَ} بإضمار فعل، أو تجعله بدلًا من {الَّذِينَ} في قوله: {وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} (2)، فيكون قوله: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} في موضع الحال من الضمير في {كَذَّبُوا} أي: مشبهين حال من لم يكن قط في تلك الدار إذ حلّ بهم ما حل بهم، وهذا مما يُتحسر عليه، كما قال:
231 - كَأَنْ لم يكن بين الحَجُونِ إلى الصَّفا
... أنيسٌ ولم يَسمُرْ بمكةَ سامِرُ (3)
والحَجُون بفتح الحاء: جبل بمكة، وهي مقبرة.