أصلًا، كقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (1) ثم قال: {رُسُلَهُ} ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحدًا، وليس من شأنه إخلاف المواعيد، فكيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته (2)؟ قلت: وتغيير الشيء عن موضعه إما بتقديم أو بتأخير في كلام القوم نظمهم ونثرهم لا يكون إلا بسبب وحكمة خصوصًا في الكتاب العزيز، أنشد صاحب الكتاب - رحمه الله - تعالى:
370 - تَرَى الثَّوْرَ فِيهَا مُدْخِلَ الظِّلِّ رَأْسَهُ
... وَسَائِرُهُ بَادٍ إِلَى الشَّمْسِ أجمَعُ (3)
يريد مدخلًا رأسه الظل، فأضافه إلى الظل توسعًا وإعلامًا بأنه مفعول لا ظرف، إذ الظرف لا يُجَرّ.
وقرئ: (مخلفَ وعدَه رسلِه) بجر الرسل ونصب الوعد (4) على الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، كقوله:
371 - فَزَجَجْتُهَا بِمَزَجِّةٍ
... زَجِّ القَلُوصَ أَبِي مَزَادَه (5)
والتقدير: فزججتها زج أبي مزادة القلوصَ، والأصل: زجًّا مثل زجّ أبي مزادة القلوص.
والذي جَسِّره على ذلك في الكتاب العزيز التنبيه على الأصل، والإشعار به مع بقاء اللفظ على ما هو عليه لأجل الرسم، وللمعنى المذكور آنفًا، وهو أنه لا يخلف الوعد أصلًا، فاعرفه.