92-
وَيَجْعَلُنَا مِمَّنْ يَكُونُ كِتاَبُهُ
... شَفِيعاً لَهُمْ إِذْ مَا نَسُوْهُ فَيمْحَلا
يجعلنا معطوف على يقي ومن موصولة أو موصوفة وإذ ظرف شفيعًا كقوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} 1.
فقيل هي تعليل في الموضعين كما في قوله تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا} 2.
قلت: التقدير وإذ اعتزلتموهم أفلحتم وخلصتم فأووا الآن إلى الكهف، وأما إذ ظلمتم فنزل المسبب عن الشيء كأنه وقع زمن سببه فكأنه انتفى نفع الاشتراك في العذاب زمن ظلمهم، وفي بيت الشاطبي -رضي الله عنه- كأن الشفاعة حصلت زمن عدم النسيان لما كانت مسببة عنه.
وقال أبو علي: الدنيا والآخرة متصلتان وهما سواء في حكم الله وعلمه حتى كأنها واقعة وكأن اليوم ماضٍ، وقيل: التقدير: بعدَ إذ ظلمتم فهكذا يقدر بعد إذ ما نسوه وقيل: العامل في "إذ": ويجعلنا، ولا خفاء بفساد هذا، ويقال: محل به إذا سعى به إلى سلطان ونحوه وبلَّغ أفعاله القبيحة مثل وشى به ومكر به، وانتصاب فيمحلا على جواب النفي بالفاء، قال أبو عبيد في كتاب "فضائل القرآن": ثنا حجاج عن ابن جريج قال: حدثت عن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق من شفع له القرآن يوم القيامة نجا ومن محل به القرآن يوم القيامة كبه الله في النار على وجهه".
وفي كتاب الترمذي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة أو آية من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها".
وروي في ذم نسيان القرآن آثار كثيرة والمراد بها ترك العمل به فإن النسيان الترك، ومنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} 3.
وقد فسر ذلك قول ابن مسعود -رضي الله عنه: "القرآن شافع مشفع وماحل مصدق فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار".
أخرجه مع غيره أبو بكر بن أبي شيبة في كتاب ثواب القرآن.