يصفها بالتقصير عن مجاهدات الصديقين وعبر عن تحمله في ذلك المكاره والمشاق بتناوله ما هو مر المذاق، والصبر بكسر الصاد وفتحها مع سكون الباء وبفتح الصاد مع كسر الباء ثلاث لغات كما في كبد وكتف ذكر ذلك الناظم فيما أملاه من الحواشي على قصيدته، ومنهم من أنكر فتح الصاد مع سكون الباء وهو الشي المر الذي يضرب بمرارته المثل والألا بالمد. شجر حسن المنظر مر الطعم وقيل: إنه الدفلى، وقيل: إنه يؤكل ما دام رطبا فإذا يبس لسع ودبغ به، واحده ألاة.
قال الشيخ في شرحه: ولو قال لم تصبر على الصبر والألا لكان أحسن؛ لأن الألا لا يلعق: وهو نبت يشبه الشيح رائحة وطعما ولا يستعظم لعقه وإنما يستعظم الصبر عليه مع العدم، وقوله. من الصبر: أي من مثل الصبر.
قلت: هو من باب قولهم:
متقلدا سيفا ورمحا
... وعلفتها تبنا وماء
أي لم تلعق من الصبر ولم تأكل من الألا: أي لم يتناول الأشياء المرة لعقا مما يلعق وأكلا مما يؤكل، ولو قال لم تطعم لجمع الأمرين والله أعلم.
90-
وَقَدْ قِيلَ كُنْ كَالْكَلْبِ يُقْصِيهِ أَهْلُهُ
... وَمَا يَأْتَلِى فِي نُصْحِهِمْ مُتَبَذِّلا
أي لا يحملك ما ترى من تقصير الناس في حقك على ترك نصحهم أو لا يحملك الفقر والبؤس على ترك طاعة الرب سبحانه وتعالى وحث المخاطبين بالصفة المحمودة في أخس الحيوانات وأنجسها من المحافظة على خدمة أهله وإن قصروا في حقه.
وقد صنف أبو بكر محمد بن خلف المرزبان جزءا ذكر فيه أشياء مما وصفت الكلاب ومدحت به سماه "فضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب"، ونظم الشيخ الشاطبي -رحمه الله- تعالى في هذا البيت من ذلك أثرًا.
روي عن وهب بن منبه -رضي الله عنه- قال: أوصى راهب رجلًا فقال: انصح لله حتى تكون كنصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويضربونه ويأبى إلا أن يحيط بهم نصحا، ويقصيه أي يبعده ويأتلي أي يقصر وهو يفتعل من الائتلاء، وقوله تعالى:
{وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} 1.
هو أيضا يفتعل ولكن من الألية: وهي الحلف، ومتبذلا حال من فاعل يأتلي أو خبر "كن": أي كن مبتذلا كالكلب، والتبذل في الأمر: الاسترسال فيه لا يرفع نفسه عن القيام بشيء من جليله وحقيره.
91-
لَعَلَّ إِلهَ الْعَرْشِ -يَا إِخْوَتِي- يَقِى
... جَمَاعَتَنَا كُلَّ المَكاَرِهِ هُوّلا
أي لعل الله -تعالى- يقينا إن قبلنا هذه الوصايا وعملنا بها جميع مكاره الدنيا والآخرة، و"هوَّلا" حال من المكاره وهو جمع هائل، يقال: هالني الأمر يهولني هولا أي أفزعني فهو هائل: أي مفرغ.