ثم ذكروا بما ينبغي لهم أن يلتزموا فقال تعالى: "إنما المؤمنون" إلى قوله: "زادتهم إيمانا"، ثم نبهوا على أن أعراض الدنيا من نفل أو غيره
لا ينبغى للمؤمن أن يعتمد عليه اعتمادا يدخل عليه ضررا من الشرك أو التفاتا إلى غير الله سبحانه بقوله: "وعلى ربهم يتوكلون " (آية: 2) ثم ذكروا بما وصف به المتقين من الصلاة والإنفاق، ثم قال: "أولئك هم المؤمنون حقا" تنبيها على أن من قصر عن هذه الأحوال ولم يأت بها على كمالها لم يخرج عن الإيمان، ولكن ينزل عن درجة الكمال بحسب تقصيره، وكاأن هذا إشعارا بعذرهم في كلامهم في الأنفال، وأنهم قد كانوا في مطلبهم على حالة من الصواب، وشِرب من التمسك والاتباع لكن أعلى الدرجات ما بيِّن لهم ومُنحوه، وأنه الكمال والفوز.
ثم نبههم سبحانه بكيفية أمرهم في الخروج إلى بدر، وودهم أن غير ذات
الشوكة تكون لهم، وهو سبحانه يريهم. حسن العاقبة فيما اختار لهم فقد
كانوا تمنوا لقاء العير واختاروا ذلك على لقاء العدو ولم يعلموا ما وراء -: (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)
إلى ما قصه تعالى عليهم من اكتنافهم برحمته وشمول ألطافه وآلائه وبسط نفوسهم، ونبههم على ما يثَبت يقينهم ويزيد في إيمانهم.
ثم اعلم أن الخير كله في التقوى فقال: "يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله
يجعل لكم فرقانا"، وهذا الفرقان هو الذى حرفه إبليس وبلعام فكان
منهما ما تقدم من اتباع الأهواء القاطعة لهم عن الرحمة، وقد تضمنت حصول الدنيا والآخرة بنعمة الاتقاء، ثم أجمل الخيران معا في قوله: "والله ذو الفضل العظيم ".
والفضل العظيم بعد تفضيل ما إليه إسراع المؤمن من الفرقان
والتكفير والغفران، ولم يقع التصريح بخير الدنيا الخاص بها مع اقتضاء الآية إياه